لِأَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِك الحَدِيث وَكَانَت الصَّحِيفَة تَحت السرير فاشتغلنا بدفن رَسُول الله فَدخل دَاجِن الْبَيْت فَأَكله وَمَعْلُوم أَن بِهَذَا لَا يَنْعَدِم حفظه من الْقُلُوب وَلَا يتَعَذَّر عَلَيْهِم إثْبَاته فِي صحيفَة أُخْرَى فَعرفنَا أَنه لَا أصل هَذَا الحَدِيث
فَأَما الْوَجْهَانِ الْآخرَانِ فهما جائزان فِي قَول الْجُمْهُور من الْعلمَاء وَمن النَّاس من يَأْبَى ذَلِك
قَالُوا لِأَن الْمَقْصُود بَيَان الحكم وإنزال المتلو كَانَ لأَجله فَلَا يجوز رفع الحكم مَعَ بَقَاء التِّلَاوَة لخلوه عَمَّا هُوَ الْمَقْصُود وَلَا يجوز نسخ التِّلَاوَة مَعَ بَقَاء الحكم لِأَن الحكم لَا يثبت بِدُونِ السَّبَب وَلَا يبْقى بِدُونِ بَقَاء السَّبَب أَيْضا
وَمِنْهُم من يَقُول يجوز نسخ الحكم مَعَ بَقَاء التِّلَاوَة وَلَا يجوز نسخ التِّلَاوَة مَعَ بَقَاء الحكم فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي وجوب الِاعْتِقَاد فِي المتلو أَنه قُرْآن وَأَنه كَلَام الله تَعَالَى كَيفَ يَصح أَن يعْتَقد فِيهِ خلاف هَذَا فِي شَيْء من الْأَوْقَات وَالْقَوْل بنسخ التِّلَاوَة يُؤَدِّي إِلَى هَذَا فَكَانَ هَذَا نوعا من الْأَخْبَار الَّتِي لَا يجوز فِيهَا النّسخ
فَأَما دليلنا على وجود نسخ الحكم مَعَ بَقَاء التِّلَاوَة قَوْله تَعَالَى {فأمسكوهن فِي الْبيُوت} فَإِن الْحَبْس فِي الْبيُوت والأذى بِاللِّسَانِ كَانَ حد الزِّنَا وَقد انتسخ هَذَا الحكم مَعَ بَقَاء التِّلَاوَة
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} فَإِن تَقْدِير عدَّة الْوَفَاة بحول كَانَ منزلا وانتسخ هَذَا الحكم مَعَ بَقَاء التِّلَاوَة
وَقَوله تَعَالَى {فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} فَإِن حكم هَذَا قد انتسخ بقوله {فَإذْ لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم} وَبقيت التِّلَاوَة
وَحكم التَّخْيِير بَين الصَّوْم والفدية قد انتسخ بقوله {فليصمه} وَبقيت التِّلَاوَة وَهُوَ قَوْله {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} وَالدَّلِيل على جَوَاز ذَلِك أَنه يتَعَلَّق بِصِيغَة التِّلَاوَة حكمان مقصودان أَحدهمَا جَوَاز الصَّلَاة وَالثَّانِي النّظم المعجز وَبعد انتساخ الحكم الَّذِي هُوَ الْعَمَل بِهِ يبْقى هَذَانِ الحكمان وهما مقصودان أَلا ترى أَن بالمتشابه فِي الْقُرْآن إِنَّمَا يثبت هَذَانِ الحكمان فَقَط وَإِذا حسن ابْتِدَاء رسم التِّلَاوَة لهذين الْحكمَيْنِ فالبقاء أولى
وَقد بَينا أَن