النّسخ وأيد مَا ذكرنَا قَوْله
{فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} وَمَعْلُوم أَنهم مَا كَانُوا يمتنعون من الْعَمَل بِأَحْكَام التَّوْرَاة وَإِنَّمَا كَانُوا يمتنعون من الْعَمَل بِهِ على طَرِيق أَنه شَرِيعَة رَسُولنَا فَإِنَّهُم كَانُوا لَا يقرونَ برسالته وَقد سماهم الله كَافِرين ظالمين ممتنعين من الحكم بِمَا أنزل الله
وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} وَإِنَّمَا سماهم فاسقين لتركهم الْعَمَل بِمَا فِي الْإِنْجِيل على أَنه شَرِيعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن ذَلِك كُله قد صَار شَرِيعَة لنبينا عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه يجب اتِّبَاعه وَالْعَمَل بِهِ على أَنه شَرِيعَة نَبينَا
وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} تنصيص على أَنه مَعْمُول بِهِ
وَقَالَ تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} إِلَى قَوْله {أَن أقِيمُوا الدّين} وَالدّين اسْم لكل مَا يدان الله بِهِ فَتدخل الْأَحْكَام فِي ذَلِك وَيظْهر أَن ذَلِك كُله قد صَار شَرِيعَة لنبينا فَيجب اتِّبَاعه وَالْعَمَل بِهِ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيل النّسخ فِيهِ
فصل فِي تَقْلِيد الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ قولا وَلَا يعرف لَهُ مُخَالفحكى أَبُو عَمْرو بن دانيكا الطَّبَرِيّ عَن أبي سعيد البردعي رَحمَه الله أَنه كَانَ يَقُول قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة مقدم على الْقيَاس يتْرك الْقيَاس بقوله وعَلى هَذَا أدركنا مَشَايِخنَا
وَذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي الْحسن الْكَرْخِي رَحمَه الله أَنه كَانَ يَقُول أرى أَبَا يُوسُف يَقُول فِي بعض مسَائِله الْقيَاس كَذَا إِلَّا أَنِّي تركته للأثر وَذَلِكَ الْأَثر قَول وَاحِد من الصَّحَابَة
فَهَذِهِ دلَالَة بَيِّنَة من مذْهبه على تَقْدِيم قَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس
قَالَ وَأما أَنا فَلَا يُعجبنِي هَذَا الْمَذْهَب
وَهَذَا الَّذِي ذكره الْكَرْخِي عَن أبي يُوسُف مَوْجُود فِي كثير من الْمسَائِل عَن أَصْحَابنَا فقد قَالُوا فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إنَّهُمَا سنتَانِ فِي الْقيَاس فِي الْجَنَابَة وَالْوُضُوء جَمِيعًا تركنَا