وَالِاجْتِهَاد بِقدر الوسع وَهَذَا يصلح لإبلاء الْعذر وللدفع وَلَا يصلح للاحتجاج بِهِ على غَيره لِأَن المتأمل وَإِن بَالغ فِي النّظر فالخصم يَقُول قَامَ الدَّلِيل عِنْدِي بِخِلَافِهِ وبالتأمل وَالِاجْتِهَاد لَا يبلغ الْمَرْء دَرَجَة يعلم بهَا يَقِينا أَنه لم يخف عَلَيْهِ شَيْء من الْأَدِلَّة بل يبْقى لَهُ احْتِمَال اشْتِبَاه بعض الْأَدِلَّة عَلَيْهِ وَمَا كَانَ فِي نَفسه مُحْتملا عِنْده لَا يُمكنهُ أَن يحْتَج بِهِ على غَيره
وَالثَّالِث اسْتِصْحَاب حكم الْحَال قبل التَّأَمُّل وَالِاجْتِهَاد فِي طلب الدَّلِيل المغير وَهَذَا جهل لِأَن قبل الطّلب لَا يحصل لَهُ شَيْء من الْعلم بِانْتِفَاء الدَّلِيل المغير ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وَلكنه يجهل ذَلِك بتقصير مِنْهُ فِي الطّلب وجهله لَا يكون حجَّة على غَيره وَلَا عذرا فِي حَقه أَيْضا إِذا كَانَ مُتَمَكنًا من الطّلب إِلَّا أَن لَا يكون مُتَمَكنًا مِنْهُ
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا أسلم الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَلم يعلم بِوُجُوب الْعِبَادَات عَلَيْهِ حَتَّى مضى عَلَيْهِ زمَان فَعَلَيهِ قَضَاء مَا ترك بِخِلَاف الْحَرْبِيّ إِذا أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يعلم بِوُجُوب الْعِبَادَات عَلَيْهِ حَتَّى مضى زمَان
وعَلى هَذَا قُلْنَا من لم يجْتَهد بعد الِاشْتِبَاه فِي أَمر الْقبْلَة حَتَّى صلى إِلَى جِهَة فَإِنَّهُ لَا تجزيه صلَاته مَا لم يعلم أَنه أصَاب بِخِلَاف مَا إِذا اجْتهد وَصلى إِلَى جِهَة فَإِنَّهُ تجزيه صلَاته وَإِن تبين أَنه أَخطَأ
وَالنَّوْع الرَّابِع اسْتِصْحَاب الْحَال (لإِثْبَات الحكم ابْتِدَاء وَهَذَا خطأ مَحْض وَهُوَ ضلال مَحْض مِمَّن يتعمده لِأَن اسْتِصْحَاب الْحَال) كاسمه وَهُوَ التَّمَسُّك بالحكم الَّذِي كَانَ ثَابتا إِلَى أَن يقوم الدَّلِيل المزيل وَفِي إِثْبَات الحكم ابْتِدَاء لَا يُوجد هَذَا الْمَعْنى وَلَا عمل لاستصحاب الْحَال فِيهِ صُورَة وَلَا معنى وَقد بَينا فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود أَن الْحَيَاة الْمَعْلُومَة باستصحاب الْحَال يكون حجَّة فِي إبْقَاء ملكه فِي مَاله على مَا كَانَ وَلَا يكون حجَّة فِي إِثْبَات الْملك لَهُ ابْتِدَاء فِي مَال قَرِيبه إِذا مَاتَ
وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي يجعلونه حجَّة فِي ذَلِك لَا بِاعْتِبَار أَنهم يجوزون إِثْبَات الحكم ابْتِدَاء باستصحاب الْحَال بل بِاعْتِبَار أَنه يبْقى للْوَارِث