وَالْحَاصِل أَن فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار يعْتَبر الْمَعْنى دون الصُّورَة فقد يكون الْمَرْء مُدعيًا صُورَة وَهُوَ مُنكر معنى أَلا ترى أَن الْمُودع إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة يكون مُنْكرا للضَّمَان معنى وَلِهَذَا كَانَ القَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين وَإِنَّمَا جعل الشَّرْع الْيَمين فِي جَانب الْمُنكر
وَالْبكْر إِذا قَالَت بَلغنِي النِّكَاح فَرددت وَقَالَ الزَّوْج بل سكتت فَالْقَوْل قَوْلهَا عندنَا وَهِي فِي الصُّورَة تَدعِي الرَّد وَلكنهَا تنكر ثُبُوت ملك النِّكَاح عَلَيْهَا فِي الْمَعْنى فَكَانَت مُنكرَة لَا مدعية
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن بعد هَلَاك السّلْعَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَهُوَ فِي الصُّورَة يَدعِي بيعا بِأَقَلّ الثمنين وَلكنه فِي الْمَعْنى مُنكر للزِّيَادَة الَّتِي يدعيها البَائِع فَعرفنَا أَنه إِنَّمَا يعْتَبر الْمَعْنى فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار دون الصُّورَة
إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول هَذِه الْوُجُوه من الممانعة تكون إنكارا من السَّائِل فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى إِثْبَات إِنْكَاره بِالْحجَّةِ واشتغاله بذلك يكون اشتغالا بِمَا لَا يُفِيد وَقَوله إِن الحكم فِي الأَصْل مَا تعلق بِهَذَا الْوَصْف فَقَط بل بِهِ وبقرينة أُخْرَى يكون إنكارا صَحِيحا من حَيْثُ الْمَعْنى وَإِن كَانَ دَعْوَى من حَيْثُ الصُّورَة لِأَن الحكم الْمُتَعَلّق بعلة ذَات وصفين لَا يثبت بِوُجُود أحد الوصفين
وَذَلِكَ نَحْو مَا يُعلل بِهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْيَمين المعقودة على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهَا يَمِين بِاللَّه مَقْصُودَة فيتعدى الحكم بِهَذَا الْوَصْف إِلَى الْغمُوس
فَإنَّا نقُول الحكم فِي الأَصْل ثَبت بِهَذَا الْوَصْف مَعَ قرينَة وَهُوَ توهم الْبر فِيهَا فَيكون هَذَا منعا لما ادَّعَاهُ الْخصم والخصم هُوَ الْمُحْتَاج إِلَى إِثْبَات دَعْوَاهُ بِالْحجَّةِ
فَأَما قَول السَّائِل لَيْسَ الْمَعْنى فِي الأَصْل مَا قلت وَإِنَّمَا الْمَعْنى فِيهِ كَذَا هُوَ إِنْكَار صُورَة وَلكنه من حَيْثُ الْمَعْنى دَعْوَى وَهُوَ دَعْوَى غير مُفِيد فِي مَوضِع النزاع لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يَقُول فِي مَوضِع النزاع لتقرير ذَلِك الْمَعْنى سوى أَن هَذَا الْمَعْنى مَعْدُوم فِي مَوضِع النزاع وَعدم الْعلَّة لَا يُوجب عدم الحكم وَإِن كَانَ هَذَا يصلح للترجيح بِهِ من وَجه على مَا نبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى