مسح الرَّأْس أَيْضا فَإِن الْوَصْف الَّذِي عللنا بِهِ لَهُ زِيَادَة قُوَّة الثَّبَات على الحكم الْمَشْهُود بِهِ أَلا ترى أَن سَائِر أَنْوَاع الْمسْح كالتيمم وَالْمسح على الْخُف وَالْمسح على الجورب عِنْد من يُجِيزهُ وَالْمسح على الجبائر يظْهر الخفة فِيهَا بترك اعْتِبَار التّكْرَار وَلَيْسَ للوصف الَّذِي علل بِهِ قُوَّة الثَّبَات بِهَذِهِ الصّفة فَإِن فِي الصَّلَاة أركانا كالقيام وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود ثمَّ تَمامهَا يكون بالإكمال لَا بالتكرار فَعرفنَا أَن الركنية لَيْسَ بِوَصْف قوي ثَابت فِي إِثْبَات سنة التّكْرَار بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْم فَإِن صفة العينية قوي ثَابت فِي إِسْقَاط اشْتِرَاط نِيَّة التَّعْيِين فِيهِ حَتَّى يتَعَدَّى إِلَى سَائِر الْعِبَادَات كَالزَّكَاةِ إِذا تصدق بالنصاب على الْفَقِير وَهُوَ لَا يَنْوِي الزَّكَاة وَالْحج إِذا أطلق النِّيَّة وَلم يعين حجَّة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى
وَيَتَعَدَّى إِلَى غير الْعِبَادَات نَحْو رد الودائع والغصوب ورد الْمَبِيع على البَائِع لفساد البيع
وَصفَة الْفَرْضِيَّة لَيْسَ بِقَوي ثَابت فِي اشْتِرَاط نِيَّة التَّعْيِين بَعْدَمَا صَار مُتَعَيّنا فِي الصَّوْم لَا فِي غير الصَّوْم
وَكَذَلِكَ مَا علل بِهِ عُلَمَاؤُنَا فِي أَن الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْإِتْلَافِ لِأَن ضَمَان الْمُتْلفَات مُقَدّر بِالْمثلِ بِالنَّصِّ وَبِاعْتِبَار مَا هُوَ الْمَقْصُود وَهُوَ الْجبرَان وَبَين الْعين وَالْمَنْفَعَة تفَاوت فِي الْمَالِيَّة من الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا فَلَا يجوز أَن يُوجب على الْمُتْلف فَوق مَا أتلف فِي صفة الْمَالِيَّة كَمَا لَا يُوجب الْجيد بِإِتْلَاف الرَّدِيء
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله الْمَنَافِع تضمن بِالْعقدِ الْجَائِز وَالْفَاسِد بِالدَّرَاهِمِ فتضمن بِالْإِتْلَافِ كالأعيان ثمَّ تَأْثِيره تحقق الْحَاجة إِلَى التحرر عَن إهدار حق الْمُتْلف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ نَظِير تحقق الْحَاجة إِلَى ملك الْمَنْفَعَة بِالْعِوَضِ بِالْعقدِ
ثمَّ هُوَ يزْعم أَن علته أقوى فِي ثبات الحكم الْمَشْهُود بِهِ عَلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه إِذا لم يكن بُد من الْإِضْرَار بِأَحَدِهِمَا فمراعاة جَانب الْمَظْلُوم وإلحاق الخسران بالظالم بِإِيجَاب الزِّيَادَة عَلَيْهِ أولى من إهدار حق الْمَظْلُوم
وَالثَّانِي أَن فِي إِيجَاب الضَّمَان إهدار حق الظَّالِم فِيمَا هُوَ وصف مَحْض وَهُوَ صفة الْبَقَاء وَفِي الأَصْل هما شَيْئَانِ وَهُوَ كَونهمَا مُنْتَفعا بِهِ غير أَن فِي طرف الظَّالِم فضل صفة وَهُوَ الْبَقَاء فبهدر صِيَانة الأَصْل (هدر) حق الْمَظْلُوم