للْجَمِيع لِأَن تَمام عِلّة الْغَرق حصل بِفِعْلِهِ
وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا فِي المثلث إِن السكر مِنْهُ حرَام ثمَّ السكر الَّذِي هُوَ حرَام الْقدح الْأَخير لِأَن تَمام عِلّة الْإِسْكَار عِنْدهَا فَيكون مُضَافا إِلَيْهَا خَاصَّة
وَمُحَمّد رَحمَه الله ترك هَذَا الأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة احْتِيَاطًا لإِثْبَات الْحُرْمَة فَإِنَّهَا تثبت بِاعْتِبَار الصُّورَة تَارَة وَبِاعْتِبَار الْمَعْنى أُخْرَى
وَأما السَّبَب الَّذِي هُوَ فِي معنى الْعلَّة فنحو قَود الدَّابَّة وسوقها فَإِنَّهُ طَرِيق الْوُصُول إِلَى الْإِتْلَاف غير مَوْضُوع لَهُ ليَكُون عِلّة وَهُوَ فِي معنى الْعلَّة من حَيْثُ إِن الْإِتْلَاف مُضَاف إِلَيْهِ يُقَال أتْلفه بقود الدَّابَّة أَو سوقها
وَكَذَلِكَ إِذا أشرع جنَاحا فِي الطَّرِيق أَو وضع حجرا أَو ترك هدم الْحَائِط المائل بعد التَّقَدُّم إِلَيْهِ فِيهِ فَهَذَا كُله سَبَب فِي معنى الْعلَّة
وَكَذَلِكَ إِذا أَدخل دَابَّته زرع إِنْسَان حَتَّى أكلت الدَّابَّة الزَّرْع فَهَذَا سَبَب فِي معنى الْعلَّة للإتلاف وَلِهَذَا كَانَ مُوجبا عَلَيْهِ ضَمَان الْمُتْلف وَلَا يكون شَيْء من هَذَا مُوجبا لحرمان الْمِيرَاث وَلَا الْكَفَّارَة فَإِن ذَلِك جَزَاء مُبَاشرَة الْفِعْل
وَكَذَلِكَ قطع حَبل الْقنْدِيل الْمُعَلق وشق الزق وَفِيه مَائِع سَبَب هُوَ فِي معنى الْعلَّة
وَكَذَلِكَ شَهَادَة الشُّهُود بِالْقصاصِ يكون سَببا للْقَتْل من غير مُبَاشرَة لِأَن قَضَاء القَاضِي بعد الشَّهَادَة يكون عَن اخْتِيَار
وَكَذَلِكَ اسْتِيفَاء الْوَلِيّ وَالشَّهَادَة غير مَوْضُوعَة للْقَتْل فِي الأَصْل وَلِهَذَا لَا يُوجب الْكَفَّارَة وَلَا يثبت حرمَان الْمِيرَاث فِي حق الشُّهُود وَلَا يُوجب عَلَيْهِم الْقصاص
وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله لَا يُنكر هَذَا وَلَكِن يَقُول هُوَ تسبيب قوي من حَيْثُ إِنَّه قصد بِهِ شخصا بِعَيْنِه فيصلح أَن يكون مُوجبا للقود عَلَيْهِ لِأَن فِيهِ معنى الْعلَّة من حَيْثُ إِن قَضَاء القَاضِي من مُوجبَات الشَّهَادَة وَالْقَتْل مُضَاف إِلَى ذَلِك
إِلَّا أَنا نقُول القَاضِي إِنَّمَا يقْضِي عَن اخْتِيَار مِنْهُ وَلَيْسَ فِي وسع الشَّاهِد مَا يظهره القَاضِي بِقَضَائِهِ أَو يُوجِبهُ فَبَقيت شَهَادَة الشُّهُود تسبيبا فِي الْحَقِيقَة وَلَا مماثلة بَين التسبيب والمباشرة وَوُجُوب الْقصاص يعْتَمد الْمُبَاشرَة
وعَلى هَذَا قَالَ فِي السّير إِذا قَالَ للغزاة أدلكم على حصن فِي دَار الْحَرْب تَجِدُونَ فِيهِ الْغَنَائِم فَإِن ذهب مَعَهم حَتَّى دلهم عَلَيْهِ كَانَ شريكهم فِي الْمُصَاب لِأَن فعله تسبيب