الآية فهذه الآيات دلائل معتمدة وبراهين ظاهرة ونهاية ما يقولون على هذه الألفاظ هو أن هذه الألفاظ محتملة للعموم عندنا وأن لم يكن للعموم صيغة ولأجل الاحتمال حسن موردها وصح السؤال والجواب عن ما ذكرتم فيها ونحن نقول على هذا لو كان فى هذه الألفاظ مجرد الصلاحية للعموم لأنها صيغة فيها لكان السؤال بطريق الاستفهام وهو أن يقول القائل فى هذه القصص الواردة فى الكتاب كلها هل دخل فلان فى الخطاب أو لا ثم إذا عرف الدخول يبنى عليه ما يقوله.
فإن قالوا: أن هذه الألفاظ حملت على العموم لا بصيغتها لكن لقرائن اقترنت بها.
قلنا لا قرينة تعرف وإنما وجد مجرد اللفظ عريا عن الدلائل فمن زاد على القرائن فعليه البيان وقد استدل الأصحاب أيضا بما نقل عن الصحابة من الاحتجاج بالعمومات فى مسائل كثيرة غير أن فيما ذكرناه من الاحتجاج بالآيات غنية وكفاية.
ونستدل فى إثبات ألفاظ العموم فى اللغة فنقول.
الاستغراق معنى ظاهر لكل أحد والحاجة تمس إلى العبارة عنه ليفهم السامع أن المتكلم أراده فجرى هذا مجرى السماء والأرض والفرس والحمار وما أشبه ذلك فى ظهوره بين الناس ومسة الحاجة إلى العبارة عنها فكما لم يجر مع هذا الداعى الذى هو داعى الحاجة أن تتوالى الأعصار بأهل اللغة ولا يضعوا لهذه الأشياء أسماء تختص لكل واحد منها مع أنهم قد وضعوا الأسماء للمعانى ووضعوا للمعنى الواحد أسماء كثيرة كذلك لا يجوز أن لا يضعوا للاستغراق أسماء مختصة وليس يجوز من أمة عظيمة فى أعصار مترادفة أن يضعوا الأسماء الكثيرة للمعنى الواحد ولا يضعون لمعنى ظاهر تشتد إليه حاجة الناس أسماء تخصه.
فإن قيل ليس بممتنع أن يتفق ذلك من الأمم العظيمة أليس العرب مع كثرتهم لم يضعوا للفعل الحال عبارة تخصه دون الفعل المستقبل ولا وضعوا للاعتماد سفلا ولا للاعتماد علوا ولا للكون الذى هو يمنة أو يسرة عبارة ولا وضعوا لرائحة الكافور أو رائحة العنبر أسماء تخصها والحاجة إلى ذلك شديدة والأمر فى ذلك ظاهر ثم قالوا: لا حاجة بالمتكلم إلى وضع لفظ الاستغراق لأنه يمكن للمتكلم أن يعدد الأشخاص الذين يريد أن يعلمهم بالذكر واحدا واحدا.
قالوا: ولأنهم يمكنهم أن يعبروا عن الاستغراق ويذكروه بلفظه مع قرينة وشاهد.