القول في الاستحسانذكر الأصحاب أن القول بالاستحسان في أصول الدين فاسد وذهب أصحاب أبى حنيفة إلى القول به وكذلك القول بالمصالح والذرائع والعادات من غير رجوع إلى دليل شرعى باطل فأما مالك فإنه يقول بذلك ويعتمده1.
واعلم أن الكلام في الاستحسان يرجع إلى معرفة الاستحسان الذى يعتمده أصحاب أبى حنيفة فإن كان الاستحسان هو القول بما استحسنه الإنسان ويشتهيه من غيردليل فهو باطل قطعا ولا نظن أن أحدا يقول بذلك تنذكر الآن ما ذكره أبو زيد في كتابه في معنى الاستحسان لغة وحكما.
قال: أما اللغة: فالاستحسان هو اعتقاد حسن الشئ. يقال: استحسنت كذا أى: اعتقدته حسنا2 واستقبحت كذا أى: اعتقدته كلك ومحل ظن بعض الفقهاء أن من قال بالاستحسان قد ترك القياس والحجة الشرعية باستحسانه تركها من غير دليل يطلق وطعن بهذا على علمائنا وأن ما هذا تغير الاستحسان لغة فأما عند الفقهاء الذين قالوا بالاستحسان اسم لضرب دليل يعارض القياس الجلي حتى كان القياس غير الاستحسان بعد سبيل التعارض وكأنهم سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك القياس أو الوقف على العمل بدليل آخر فوقه في المعنى المؤثر أو مثله وإن كان الخفى منه إدراكا ولم يروا القياس الظاهر حجة قاطعة لظهوره ولا رأوا الظهور رجحانا. بل نظروا إلى قوة الدليل في نفسه من الوجه الذى تعلق به صحته ولم يكن غرضهم من هذه التسمية إلا يميزوا بين حكم الأصل الذى يدل عليه القياس وبين الحكم المال عن ذلك السنن الظاهر 3 بدليل أوجب الذى أماله4 فسموا الذى يبقى على الأصل قياسا والذى الممال استحسانا وهذا كما ميز أهل النحو بين وجوه النصب فقالوا: هذا نصب على التفسير