والقصر وتخيير العبد بين الجمعة والظهر.
واعلم أن هذا الذى يقوله هذا القائل إنما يصح عند اعتقاد الإنسان جواز تكافؤ الأدلة واعتقاد إصابة المجتهدين ونحن قد بينا أن واحدا منهما لا يصح والأولى أن يقال: إن الشافعى لم يذكر القولين في هذا المعنى أيضا على معنى أنه معتقد لهما أو مخبر وإنما ذكرهما لأن الحادثة تحتمل كلا القولين ولم يترجح عنده بعد أحدهما فذكرهما لينظر فيهما ويختار بينهما الصواب فأدركه الموت قبل البيان وليس في هذا عيب على المجتهد بل هو دليل على غزارة علم المجتهد وكمال فضله وشدة توقيه فإن طلبوا الفائدة من ذكر القولين.
قلنا: قد بينا من قبل فائدة ذكر القولين وهذا الذى قلناه هو المختار وهو الأولى وعليه الاعتماد وإذا استقررنا على هذا سقط طعن الطاعن وعنت المتعنت والله الهادى إلى الصواب والمرشد فيه بمنه وطوله.
"فصل"
ونذكر في هذا الموضع مواضع اختلف فيها الأصحاب فيما يرجع إلى إثبات القولين أو إثبات قول واحد إذا ذكر في القديم قولا ثم ذكر في الجديد قولا بمذهبه الثانى والأول مرجوع عنه. ومن أصحابنا من قال لا يكون رجوعا عن الأول حتى يصرح بالرجوع عنه.
والصحيح: هو الأول وهو مثل ما لو وجد من صاحب الشرع قولان مختلفان في وقتين مختلفين في حادثة واحدة فإنه يكون الثانى نسخا للأول كذلك هاهنا يكون القول الثانى رجوعا عن الأول.
موضع آخر: إذا نص الشافعى رحمه الله في مسألتين على قولين ثم أعاد المسألتين وذكر فيهما أحد القولين كان ذلك اختيارا للقول المعاد وكذلك إذا فرع على أحد القولين كان ذلك اختيار للقول الذى فرع عليه وهو قول المزنى. ومن أصحابنا من قال: لا يكون ذلك دليلا على الاختيار.
والصحيح: هو الأول لأنه لما أعاد أحد القولين أو فرع عليه فالظاهر أن مذهبه هو ذلك لأنه لو كان مقيما على القولين لأعادهما وفرع عليهما جميعا فلما أفرد أحدهما