فأما المستفتى فلا يجوز له أن يستفتى من شاء على الإطلاق لأنه ربما يستفتى من لا يعرف الفقه بل يجب أن يتعرف حال الفقيه في الفقه والأمانه ويكفيه في ذلك خبر العدل الواحد فإذا عرف أنه فقيه نظر فإن كان وحده قلده وإن كان هناك غيره فهل يجب عليه الاجتهاد؟ فيه وجهان: فمن أصحابنا من قال: يقلد من شاء منهم.
وقال أبو العباس والقفال: يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين وهذا قد ذكرناه من قبل.
وإن استفتى رجلين نظر في الجواب فإن اتفقا في الجواب عمل بما قالا وإن اختلفا فأفتاه أحدهما بالحظر والآخر بالإباحة فاختلف فيه أصحابنا على ثلاثه أوجه:
منهم من قال: لا يأخذ بما شاء منهما.
ومنهم من قال: يجتهد فيمن يأخذ بقوله منهما.
ومنهم من قال: يأخذ بأغلظ الجوابين لأن الحق ثقيل والأولى أن يقال يجتهد ممن يأخذ بقوله منهما1.
وأما الذى قال: إنه يأخذ بأغلظ الجوابين فقد يكون الحق في أخف الجوابين قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة: 185 وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالدين الحنيفية السهلة السمحة" 2 وقد قيل يأخذ بأخف الجوابين لهذا الدليل.
فإن قال قائل: هل يجوز للعامى أن يطالب العالم بدليل؟
الجواب قلنا: لا يمنعه أن يطالب به لأجل احتياطه لنفسه ويلزم العالم أن يذكر الدليل إن كان مقطوعا به لإشرافه على العلم بصحته ولا يلزمه أن يذكر له الدليل إن لم يكن مقطوعا به لافتقاره إلى الاجتهاد ويقصر عنه العامى.
فإن قال قائل قد اخترتم إن يكون على العامى الاجتهاد في أعيان الفقهاء فأيش