فإن قيل: المعنى في الأصل: أن المبيع من ضمانه.
قيل: وكذلك هاهنا, هو من ضمانه قبل قبضه, فلا فرق بينهما. على أنه إذا اشترى طعامًا مكايلة, وقبضه بغير كيل, حصل في ضمان المشتري, ومع هذا فليس له التصرف, وانتقضت علة الأصل.
وعلى أن هذا غير مؤثر؛ لأن للبائع أن يتصرف في الثمن قبل قبضه, وإن لم يحصل في ضمانه.
ولأن الاعتبار بالتعيين دون القبض, بدليل: أنه لو ابتاع طعامًا مكايلة, وقبضه بغير كيل, حصل في ضمان المشتري, وليس له التصرف فيه لعدم التمييز, والتمييز هاهنا موجود, فيجب أن يصح التصرف فيه.
ومنهم من يمنع ويقول: يجوز له التصرف فيما يتحقق أنه قدر حقه. وهذا فاسد؛ لأنه يتصرف في ملك غيره.
ولأن ما من جزء منه إلا وحق البائع فيه؛ لأنه مما تعين حقه فيه.
فإن قيل: لو كان الاعتبار بالتعيين لم يصح القبض بعدمه, وقد قال أحمد في رواية محمد بن الحارث في رجل باع بألف درهم بكذا كذا دينارًا, فأعطاه مائه دينار؛ ليجيء فيزن له, فقال: إذا كان أكثر من حقه فجائز.
فقد حكم بصحة القبض في التصرف, وإن لم يحصل التعيين, فدل على أنه لا اعتبار به.
قيل له: عدم التعيين غير مؤثر فيه من الوجه الذي ذكرنا.