غاربك، وأنت بائن، وبتة، إذا أتى في حال الغضب، أو سؤال الطلاق، كان طلاقا، لدلالة استعماله المخالف لعادته في خصوص هذه الحال على إرادة الفراق. فأما إن قصد بالكناية غير الطلاق، لم يقع على كل حال؛ لأنه لو قصد ذلك بالصريح لم يقع، فالكناية أولى.
فصل:
والكنايات ثلاثة أقسام: ظاهرة، وخفية، ومختلف فيها.
فالظاهرة ستة ألفاظ: خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأمرك بيدك، وفيها روايتان:
إحداهما: هي ثلاث وإن نوى واحدة؛ لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم ينقل خلافهم في عصرهم، فكان إجماعا؛ ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق، فوقع ثلاثا، كما لو طلق ثلاثا.
والثانية: يقع ما نواه. اختاره أبو الخطاب، لحديث ركانة الذي قدمناه؛ ولأنه أحد نوعي الطلاق، فإذا نوى به واحدة، لم يزد عليها، كالصريح، فإن لم ينو شيئا وقع ثلاثا. وروى عن حنبل: أنه يقع به واحدة بائنة؛ لأنه لفظ اقتضى البينونة دون العدد، فوقعت واحدة بائنة كالخلع.
فأما الخفية، فنحو اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وأغناك الله، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} النساء: 130 وأشباه هذا. فهذا يقع به ما نواه؛ لأنه محتمل له. وإن لم ينو شيئا، وقعت واحدة؛ لأنه اليقين.
وأما المختلف فيها، فالحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، واعتدي، وغطي شعرك، وأنت حرة، وقد أعتقتك، ولا سبيل لي عليك، وأنت علي حرج، ففيها روايتان:
إحداهما: هي ظاهرة؛ لأنها في معنى الظاهرة، والأخرى هي خفية؛ لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخلت عليه ابنة الجون قال: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» متفق عليه.
ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليطلق ثلاثا وقد نهى أمته عنه، وقد روى أبو هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال