فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه
... بالرأي قبل تطاعن الفرسان
وإن تترس الكفار بصبيانهم ونسائهم، جاز رميهم، بقصد المقاتلة؛ لأن المنع من رميهم، يفضي إلى تعطيل الجهاد. وإن تترسوا بأسارى المسلمين، أو أهل الذمة، لم يجز رميهم إلا في حال التحام الحرب، والخوف على المسلمين؛ لأنهم معصومون لأنفسهم، فلم يبح التعرض لإتلافهم من غير ضرورة. وفي حال الضرورة، يباح رميهم؛ لأن حفظ الجيش أهم.
فصل
ويجوز بيات الكفار، ورميهم بالمنجنيق والنار، وقطع المياه عنهم، وإن تضمن ذلك إتلاف النساء والصبيان؛ لما «روى الصعب بن جثامة، قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن الدار من ديار المشركين، نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم» متفق عليه. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نصب منجنيقاً على أهل الطائف.» والتغريق بالماء في معناه.
فإن كان فيهم مسلمون، فأمكن الفتح بدون ذلك، لم يجز رميهم؛ لأنه تعريض لقتلهم من غير حاجة، وإن لم يمكن بدونه، جاز؛ لأن تحريمه يفضي إلى تعطيل الجهاد.
فصل
ويجوز قتل ما يقاتلون عليه من دوابهم؛ لأن قتلها وسيلة إلى الظفر بهم، فإذا صارت إلينا، لم يجز قتلها؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل شيء من الدواب صبراً» ولأنها مال المسلمين. ولا يجوز ذبحها إلا لأكل لا بد لهم منه. ولا يجوز تحريق النحل، ولا تغريقه؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل النحلة.» وقال أبو بكر: لا تحرقن نحلاً ولا تغرقنه. ويجوز أخذ الشهد، وفي أخذه كله روايتان:
إحداهما: لا يجوز؛ لأن فيه قتل النحل وهلاكه.
والثانية: يجوز؛ لأن هلاكه إنما يحصل ضمناً غير مقصود، فأشبه قتل النساء في البيات.
ويجوز هدم بنيانهم، وقطع شجرهم، وحرق زرعهم إذا احتيج إليه، للتمكن من قتالهم ونحوه، ولا يجوز إذا كان فيه ضرر بالمسلمين، لحاجتهم إلى الاستظلال أو الاستتار به، أو الأكل منه، أو علف دوابهم. وما عدا ذلك، ففيه روايتان:
إحداهما: جوازه؛ لقول الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} الحشر: 5 .