بدينهم وجنسهم، لكونهم رهط النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغيرهم لم يتغلظ كفرهم من الجهتين، فقبلت الجزية منهم، كالمجوس.
وأما الصابئون، فينظر فيهم. فإن كانوا يوافقون أحد أهل الكتابين، في نبيهم وكتابهم، فهم فرقة منهم. وإن لم يوافقوا واحدا منهم، فهم غير أهل الكتاب، حكمهم حكم عبدة الأوثان.
فصل:
ومن دخل في دين أهل الكتاب، أو المجوس من سائر الكفار، صار منهم، وحكمه حكمهم. سواء دخل قبل بعث نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو بعده، لعموم النصوص فيهم. قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد. وقال أبو الخطاب: من دخل بعد بعث نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو قبل بعثه، وبعد تبديل كتابهم، لم تعقد له الذمة؛ لأنه دخل في دين باطل. ومن كان أحد أبويه ممن تعقد له الذمة، والآخر ممن لا تعقد له، عقدت له الذمة، لما ذكرنا؛ ولأنه تبع لمن يؤخذ منه الجزية؛ لأنه تبعه في الدين، فتبعه في الجزية، وقال أبو الخطاب: فيه وجهان.
وإن ظهر المسلمون على قوم لا يعرف دينهم، فادعوا أنهم أهل كتاب، قبل منهم؛ لأنهم لا يعرف دينهم إلا من جهتهم. فإن أسلم منهم اثنان، وشهدا أنهم من غير أهل الكتاب، وكانا عدلين نبذ إليهم عهدهم؛ لأنه بان بطلانهم دعواهم.
فصل:
ومن عقدت له الذمة، أخذت منه الجزية. وفي قدرها ثلاث روايات.
إحداهن: يرجع إلى ما فرضه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عليهم، على الموسر ثمانية وأربعون درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهما، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهما، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرضها كذلك بمحضر من الصحابة، وتابعه سائر الخلفاء بعده، فكان إجماعا.
والثانية: يرجع إلى اجتهاد الإمام، في الزيادة على ذلك والنقصان منه، على ما يراه من المصلحة بعد أن لا يكلفهم فوق طاقتهم؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما بعث معاذا إلى اليمن، قال له: خذ من كل حالم دينارا» رواه أبو داود. وعمر زاد عليهم، فدل على جواز الزيادة والنقصان.