باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجعباب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر
وحكم التراجع يستقر الصداق بثلاثة أمور:
أحدها: الخلوة بعد العقد، لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة، وهذه قضايا اشتهرت، فلم تنكر، فكانت إجماعا؛ ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها، فاستقر صداقها، كما لو وطئها. فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها، أو الزوج صغيرا، أو أعمى لا يعلم دخوله عليها، لم يكمل صداقها؛ لأنه لم يحصل التمكين. وكذلك إن نشزت عليه فمنعته وطأها، لم يكمل صداقها لذلك، ذكره ابن حامد. وإن كان بهما عذر كالإحرام، والصيام الواجب، والمرض. أو بأحدهما، كالحيض والنفاس، والرتق، والجب، والعنة، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: يستقر الصداق؛ لعموم ما ذكرنا؛ ولأن التسليم المستحق قد وجد، والمنع من غير جهتها، فلم يؤثر في المهر، كما لم يؤثر في إسقاط النفقة.
والثانية: لا يستقر؛ لأنه لا يتمكن من تسليمها، فلم يستقر مهرها، كما لو منعت نفسها.
والثالثة: إن كان المانع هو صوم رمضان، لم يكمل الصداق، وفي معناه ما يحرم دواعي الوطء كالإحرام، وما لا يمنع دواعي الوطء، كسائر الموانع لا يمنع استقرار الصداق.
فصل:
والثاني: الوطء يستقر به الصداق وإن كان في غير خلوة؛ لأنه قد وجد استيفاء المقصود، فاستقر العوض، كما لو اشترى طعاما فأكله، وإن استمتع بغير الوطء كقبلة، أو مباشرة دون الفرج، أو نال منها ما لا يحل لغيره، كالنظر إليها عريانة، فقال أحمد: يكمل الصداق به؛ لأنه نوع استمتاع، أشبه الوطء. وقال القاضي: هذا على الرواية التي يثبت بها تحريم المصاهرة، ولا يكمل به الصداق على الرواية الأخرى؛ لأنه لا يحرم المصاهرة، فلم يقرر الصداق، كرؤية الوجه.
فصل:
الثالث: موت أحد الزوجين قبل الدخول يقرر الصداق، سواء مات حتف أنفه، أو قتل نفسه، أو قتل غيره، لما روى معقل بن سنان، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في بروع