بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خيرة الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الذين نصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، والتابعين.
وبعد: فإن أشرف العلوم القرآنية وأنفعها علم الفقه؛ وإن أحسن ما صنف فيه كتب الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني قدّس الله سره؛ وإن أهم مصنفاته وأعمقها وأدقها: "الجامع الكبير".
قال الإمام محمد بن شجاع الثلجي - رضي الله عنه -: "ما وضع في الإسلام كتاب في الفقه مثل جامع محمد بن الحسن الكبير". وقال: "مثل محمد بن الحسن في "الجامع الكبير" كرجل بنى دارًا: فكان كلما علاها بنى مرقاة يرقى منها إلى ما علاه من الدار، حتى استتم بناءها كذلك؛ ثم نزل عنها وهدم مراقيها ثم قال للناس: شأنكم فاصعدوا".
قال الأستاذ الكوثري، حفظه الله، بعد أن نقل كلام الثلجي: "والحق أن هذا الكتاب آية في الإبداع، ينطوي على دقة بالغة في التفريع على قواعد اللغة وأصول الحساب، خلا ما يحتوي عليه من المضي على دقائق أصول الشرع الأغرّ. فلعله ألفه ليكون محكا لتعرف نباهة الفقهاء، وتيقظهم في وجوه التفريع، يحار العقل في فهم وجوه تفريعه في ذلك إلى أن تشرح له. وهو كما قال ابن شجاع أولا وآخرا، إلا أن مراقي الكتاب أعيدت إلى أبواب الكتاب، كما يظهر من شرحي الجمال الحضيري على الجامع الكبير، حيث يقول في صدر كل باب من أبواب الكتاب: "أصل الباب كذا، وبنى الباب على كذا" فبذلك سهلت معرفة وجوه التفريع جدا" (١).
وقال الإمام أبو بكر الرازي في شرح الجامع الكبير: "كنت أقرأ بعض مسائل من الجامع الكبير على بعض المبرزين في النحو (يعني أبا علي الفارسي) فكان يتعجب من تغلغل واضع هذا الكتاب في النحو" (٢).
(١) بلوغ الأماني: في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني، لفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثري (ص ٥٨).
(٢) بلوغ الأماني (ص ٦٣).