وأيضًا: لما لم يدل لزوم استيفاء العدد في العدة على اعتبار العدد في غسل النجاسات، كذلك لا يدل على حكم الاستنجاء، بل رد الاستنجاء إلى غسل النجاسات أولى من رده إلى العدة؛ لأنه من باب إزالة الأنجاس.
وعلى أنا إنما أجبنا عن سؤال العدة على جهة المسامحة، وثقة منا بتناقض قول الخصم وفساده، فأما إن أخذناه بما توجبه حقيقة النظر، وطالبناه برده إلى العدة بعلة صحيحة توجب رده إليها: تعذر عليه إيجاد ذلك.
فإن قال: إنما رددته إليها في باب الجواز، ورأينا أنه لا يمتنع أن يكون العدد معتبرا على جهة العبادة وغيرها في شيء واحد.
قيل له: ولم– إذا جاز في الأصول ما قلت- وجب أن يكون كما ذكرت، وإنما كلامنا معك في الوجوب، لا في الجواز.
* وكذلك إن سألوا على ذلك رمي الجمار، وقالوا هو عبادة، قد لزم فيها استيفاء العدد.
قيل لهم: فبأي معنى رددتم الاستنجاء إليه، ويطالبون بتصحيح ذلك بإظهار المعنى، وإقامة الدليل على أنه هو العلة لإيجاب الحكم، فإنهم متى طولبوا بمثل ذلك: لم يحصلوا منه على شيء، واضمحل قولهم وحصلوا على كلام فارغ لا معنى تحته.
وهكذا سبيلهم في عامة المسائل القياسية، متى حقق عليهم فيها تحصيل الدلالة: لم يرجعوا منها إلى شيء يصح.
ثم يقال لهم: قد علمنا أن رمي الجمار عبادة، لا لإزالة معنى، فوجب استيفاء العدد فيه، كالطواف وركعات الصلاة، وقد بينا أن الاستنجاء للإنقاء، فإذا لم يقع به إنقاء، فلا معنى له.