وجوب الحد بصفة الإحصان، فلذلك لم يجز لنا إيجابه إلا مع وجود الصفة.
فإن قيل: فالناس أحرار حتى يثبت الرق، فهلا حكمت بحريته من جهة الظاهر.
قيل له: لأن الظاهر لا يستحق به على الغير، وإنما تدفع به الدعوى، ومن أجل ذلك قال أصحابنا: الناس أحرار إلا في أربعة أشياء: الحدود، والقصاص، والشهادة، والعقل.
فإذا قطع يد رجل، وادعى القاطع أن المقطوع عبد، فالقول قوله، ولا يقتص منه حتى تثبت حرية المقطوع.
وكذلك لو جني عليه خطأ فيما دون النفس، لم تعقلها عاقلة الجاني حتى تثبت حرية المجني عليه.
وكذلك لو شهد شاهد على رجل بحق، فقال المشهود عليه: هما عبدان، لم يُمض القاضي القضاء بشهادتهما حتى يثبت أنهما حران.
والمعنى في ذلك كله: أن الحكم بالحرية في الناس إنما هو من طريق الظاهر، والظاهر لا يستحق به على الغير، وهذا أصل صحيح يستمر على الفروع.
ومن نظائره: دار في يدي رجل، بيعت دار إلى جنبها، فأراد الذي في يده الدار أخذ الدار المبيعة بالشفعة: لم يكن له ذلك حتى يقيم البينة أنه مالك للدار التي في يده؛ لأن حكمنا له بالملك من أجل اليد إنما هو من جهة الظاهر، والظاهر لا يستحق به على الغير.
ولو ادعى هذه الدار رجل، حكمنا للذي هي في يده إنها حتى يستحقها غيره لأجل ظهور اليد، فصارت كأنها ملكه فيما يدفع به من