وينفصل الإقرار من النكول بالوجهين اللذين ذكرنا:
أحدهما: أنه غير مخير في الإقرار؛ لأنه لا يخلو من أن يكون الحق عليه، أو ليس عليه، فإن كان عليه: لم يسعه غير الإقرار، وإن لم يكن عليه: لم يسعه الإقرار، لأنه كذب.
وأيضًا: فإن الإقرار حكمه ثابت بنفسه، لا يحتاج في صحته إلى انضمام معنى آخر إليه، فلم يكن بذلًا؛ لأن حكم البذل في الأصول لا يصح بنفسه إلا بانضمام معنى آخر إليه، كالهبة في حاجتها إلى القبض، والنكول في افتقاره إلى حكم الحاكم.
ومعنى قولنا: إنه لا يصح بذله من طريق الحكم: أن رجلًا لو سرق، فقال للمسروق منه: اقطع يدي، فقطعها: لم يكن هذا حدًا.
وكذلك لو قذفه، فقال: اجلدني، فجلده: لم يكن ذلك حدًا، وكان له أن يطالب عند الحاكم بحده.
ولو وجب له قبله قصاص في اليد، فقال: اقطع يدي، فقطعها: كان مستوفيًا لحقه من القصاص.
فهذا معنى قولنا: إنه لا يصح بذله من جهة الحكم، أو يصح.
وكذلك لو أن امرأة بذلت بضعها لرجل، فوطئها: لم يكن لبذلها تأثير، وكان الحد واجبًا عليه، وكذلك لو أرق نفسه لرجل، أو بذل له ولاء العتق، أو الاستيلاد: لم يكن لبذله حكم، فلم يصح أخذها بالنكول على قوله.
فإن قيل: والنفس لا يصح بذلها للإتلاف من جهة الحكم، ويستحلفه أبو حنيفة فيها.
قيل له: النفس يصح بذلها من جهة الحكم؛ لأن رجلًا لو قال لرجل: