فالجواب: أن الكافر لم يكن موضعا للنبوة، وليس كل مؤمن أيضا موضعا لها، ثم لم يمتنع أن يرى "المؤمن الذي لا يجوز أن يكون نبيا في منامه ما يعود عليه بخير في دنياه. فكذلك لا يمتنع أن يرى الكافر مثل ذلك، ولمعني فيه الرؤيا الصالحة وإن كانت جزءا من النبوة فليس بانفرادها نبوة، كما ليست كل شعبة من شعب الإيمان بانفرادها إيمانا، ولا كل جزء من الصلاة بانفرادها صلاة والله أعلم.
ومنها فراسة الأنبياء وهي لا تخطئ كما رؤى أن البيضاء بنت عبد المطلب كانت تحت كرر فلما ولدت عامرا، أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فتأمله، ثم قال: "ما في هذا من عبد مناف مولودا أشد حمقا منه". فبلع من حمقه أنه ورد على ابنه عبد الله وهو أمير البصرة أيام عثمان فرآه يخطب. حتى مثل بين يديه فقال: "أيها الناس أن هذا ابني وأنا أسن منه، وخرج من هذا وأشار إلى ذكره".
وأما فراسة المؤمن غير الأنبياء فقد تخطئ وقد تصيب، ومنها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "إني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي".
وهذا يحتمل أن يكون على معنى أنهم إذ كانوا على حال يريد الله تعالى أن يطلع نبيه عليها ولا يغيب عنه علمها، مثلهم له فرآهم، ووقف على ما هم عليه، ويكون ذل عياله شهادة ليقع العلم به ضرورة، وإذا أخبر الناس به، كان ذلك مما يزيدهم إيمانا، وصار من جملة دلائله وبيناته، ويكون مجاز قوله: "إني أراكم خلفي" أي إني أراكم وأنت خلفي والله أعلم.
ومنها اطلاعه على فعل يكون من الملائكة بأحد من أمته ليبحث عن سيئة، فيعلمه ويخبر بما رأى أصحابه، فيكون ذلك أحد حججه وبيناته، كما روي أن حنظلة الراهب لما أصيب بأحد قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
"إني رأيت الملائكة تغسله بصحاف الفضة بين السماء والأرض، فسال أبو أسيد عن حاله فذهبنا إليه وأبصرناه: فإذا رأسه تقطر ماء قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته. فأرسل إلى امرأته وأستخبرها عن حاله، فذكرت أنه واقعها ثم خرج إلى أحد وهو جنب".