فأما إبراهيم صلوات الله عليه، فإنه على ما قيل كان في زمان لا يؤمن بالله عز وجل على وجه الأرض غيره وكان الغالب على الملك الذي كان في بلده وعلى قومه بالإلحاد والتعطيل، فجعل الله حجته على قومه النظر الثاقب الذي لم يقاوم وهو استدلالة يتعاقب للأحوال على الكواكب التي هي أعلى ما يرى وأنهاها وأنورها على أنها محدثة لم تكن، ثم كانت، وفي ثبوت حدثها وجوب أن يكون لها محدث خارج من المحسوسات خلاف ما كان يعرفونه، أنه ليس سوى المحسوسات، قال الله عز وجل {وتلك حجتنا أتيناها إبراهيم على قومه {. وإنما هي حجته التي أقامها عليه بها وصف لهم، من أن له ولهم ولعامة ما يشاهدون صانعاً.
وكذلك قوله الذي حاجه وادعى القدرة على ما كان يصنعه إبراهيم إلى الله تبارك وتعالى: {إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب {. فأما دلالة نبوته فينبغي أن تكون غير هذه الحجة، ولا شك في أنه لم يخل منها.
فأما عصمة الله تعالى إياه من الإحتراق بالنار، فهي تدل على إخفائه فيما كان يدعيه من الرسالة والنبوة، فكما يدل على الصانع جل ثناؤه إلا أن ذلك أيضا لم تكن آيته التي أيد بها دلالة على نبوته، إذ كان القوم قصدوا بما صنعوا بمكانه معاقبة على ما كان منه من كسر للأصنام لامتحانه، لينظروا هل له إله يدفع عنه أولا، إذ كان ذلك إنما يليق لو كانوا سألوه دلالة، فقال: دلالتي أن النار وإن بغلت ما بلغت في لظى لا تحرقني، وإن ربي من أذاها يعصمني، وهو كما كان قال لهم.
فثبت ان دلالته كانت شيئا سوى عصمة الله إياه من النار إلا أنها لما وقعت لم تخل من هذه الدلالة أيضا، فهدى الله تعالى من هدى وخلى بين نفسه وهواه من خلى إلى اليوم الذي يجري فيه كل ساع بما يسعى.
وقد أخبر الله عز وجل أنه أراه إحياء الموتى عيانا، فإن كان إنما سأل الله تعالى ذلك على أعين الناس ليدل بإجابته إياه على صدقه فيما فعله من ذلك بدعائه له وبينه، وإن كان إنما سأل ذلك لخاصة فهو شيء أرادة ليطمئن قلبه، فكانت دلالته على قومه أمرا سواه وبالله التوفيق.