وأما ما يوافق قولهم، فلو كان أخذه عنهم لم يخف ذلك عليهم ولو لم يعفوا عليه في أول الأمر، فقد كانوا يدركونه إذا غلبت يده وظهر أمره ثم كانوا لا يمكنونه عليه، بل يفشونه ويذيعونه حرصاً عليه متتابعين فيه، ولما ذهب علم ذلك على النجاشي الذي كان أصحابه يلحون إليه وهو يومئذ ملك النصرانية، وقد جاءهم بنسخ أحكامها وتبديل شرائعها وتكذيب أكثر الدائنين بها مما كانوا يقولونه في عيسى صلوات الله عليه.
ولما لم يقدر أحد من اليهود والنصارى والمجوس على أن يضيف إليه شيئا مما ذكرت، وإنما قالت العرب عند تخبرها في الأمر، إنما يعلمه بشر، فليشتبه إلى الأخذ عن أعجمخي لا يحسن العربية، وهو عندي لا يحسن الأعجمية، حتى رد الله جل ثناؤه عليها قولها من هذا الوجه فصح أنه لم يأت بالقرآن إلا من عند الله جل ثناءه وبالله التوفيق.
والثالث هو ما أشار إلأيه جل ثناؤه بقوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا}. منها عما قد كانه، ومنها عما قد يكون في الدنيا وفي الآخرة ولم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم جملة وإنما أتاهم به شيئاً بعد شيء، وقد جرت العادة، بأن الكذاب لا يسلم من الناقضة في كلامه، ولا سيما إذا تشتت أخباره وتخللت بينها أزمان متباعدة، وأحوال متتابعة.
فلو كان القرآن وضعا وضعه من تلقاء نفسه، لوجدوا في أخباره من التفاوت ما هو أظهر إمارات الكذب، وأبين ما يميز بين الناس بين الصادق والكاذب، فيقول قائلهم: أما فلان فلا تجري أقواله إلى على نهج واحد، وأما فلان فإنه يقول مرة كذا ومرة كذا، أي أن الأول محق صادق، والآخر مبطلق مخارق.
ولم يوجد ما ذكرنا أنه أمارة الكاذب والكذاب في القرآن، صح أنه إنما جاء به من عند الله عز وجل، وهذا كما قال: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة}. أي الم يقابلوا أحواله وأوصافه بأحوال المتحابين وأوصافهم حتى إذا لم يجدوا شيئا منها له وفيه علموا أنه ليس بمجنون.
فإن قيل: أن أخبار القرآن لا تبلغ في الكثرة أن لا يطلق الاحتراز فيها من المناقضة