ولا سيما إذا كان الذي يأتي بما يريد، يتوصل به إلى إثبات الرسالة لنفسه من الله تعالى جده!
فالجواب: أنه ما من مخبر كاذب إلا وله في خبره غرض يريد أن يبلغه بخبره، ويكره أن يظهر المخبر كذبه فيه، ثم ليبين في ذلك ما يحتمل وجود التفاوت في كلامه إذا ردده في عدة مجالس في يوم أو أيام متدانية أو متباعدة، وما ذاك إلا أ، التحرز من الناقضة في براعث العقل والتمييز وحب الذكر الجميل، والإشفاء من الإسم الذميم.
ومن كان بهذه المنزلة لم يكذب ولم يقتصر على أن يكون كذبه معتدلا دون أن لا يكذب أصلا، وإنما يرضى لنفسه بالكذب من ضعف رأيه وخف وزنه أمامه الذي لومه حاله وعرضه القائم في نفسه حين تكلم تكلما يغرب الحال، واختلف العرض بغير كلامه ولم يجعل بما تقدم له منه.
وإذا كان هذا هكذا، مل يكن في إمكان التحفظ من المنا قضة في قدر أخبار القرآن الكريم بما كان يحيل أو يمنع وجود آيات الكذب فيها لو كان الآتي بها صادق وبالله التوفيق.
وفيه وجه آخر وهو أن في هذه الآية: أن القرآن لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه التفاوت والتناقض ولكن ليس يها إن ذلك على أي وجه، وجد من حيث أن الآتي به كان لا يقدر على التحفظ فيه أو من وجه سواه فيقول: بل من وجه سواه، وهو أن الله عز وجل إذا رآه مستظهرا بالتحفظ عىل التلبيس، ويتوصل إلى وضع شريعة وصرف الناس على الشرائع الصحيحة إلأيها، حال بينه وبين همه وسلبه الأوصاف الذي يتمكن بها من الاحتراز وعرضه لما يوقعه في المناقضة وحلاه حلية الكذابين، فلما لم يفعل ذلك بمن جاءهم بالقرآن ولا هو أنزل عليه عذابا ولا سلط عليه عدوا بل كتب له النصر عىل من ناوأه أو خالفه وجب أن يعلم أن من جاء بالقرآن من عنده وبالله التوفيق.
فصل
ومما يدخل في تعظيم قدر القرآن أنه مخصوص: بأنه الدعوه وهو الحجة ولم يكن مثل هذا الرسول قط، إنما كانت تكون لكل واحد منهم دعوة ثم تكون حجة غيرها، وقد