عليه السلام: {ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك}.
وقال: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفانه كالجواب وقدور راسيات}.
وجاء في الأخبار أنهم كانهوا يعملون له في البحر ويبنون البنايات العظيمة التي لا يبني الناس مثلها، فلا يمكن أن تكون قوتهم على نظم الكلام كقوتهم على سائر الأعمال مع ما كان يذكره كل شاعر من كبار شعاريهم، من أن له تابعة من الجن تلقيه وتعينه، وذلك موجود في أشعارهم، وقد ذكروه واعترفوا به بل تبجحوا وافتخروا.
فيكون هذا القرآن من نظم الجن ومن نظم تابعة بينكم، يعنه يأن يكون وحياً إلأيه على لسان الملك، ويكون القتال الذي ينسبونه إلى الملائكة واقعاً من قبل الجن، وأن يكون مجيء الشجرة لما دعاها من قبل الجن إياها، وزجرهم إليه لها، وأن يكون حنين الجذع صوت جنى عنده، لا صوته بالحقيقة، وكذلك كلام الذراع، أن تكون اخباره عن كثير من المغيبات لأنباء الجنه بذلك، فيكون جميع أمره كهانة لا نبوة!
فالجواب: -وبالله التوفيق- أن هذا باطل، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرا وأبين حالاً والشواهد على نبوته وصدق دعوته أكثر وأبهر من أن تسوغ هذه المعارضة لأحد في أمره.
فأما ما يختص بالإبانة على أنه لم يكن كاهناً فعدة أشياء منها يبرأ من الكهانة، فقال فيما قرأه على الناس حاكياً عن الله في وصف القرآن {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزل من رب العالمين}. وقال: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}
فلو كان يأخذ من الشياطين، ثم يسبهم ويشتمهم ويغيبهم ويكذبهم وينسب ما يغيبونه ويمدونه إلى غيرهم من غير أن يريد بذلك سرتاً عليهم وصاينة لهم عن مكروه يخافه عليهم من إظهار أمرهم لما سألوه، ولكان أقل ما يعاملونه به إن لم يضروه أن يهجروه.