نخلقه إذ كان علمنا به سابقً له، فأثبتنا منه، فأعلمناه في أم الكتاب وبينا ما هو كائن منه قبل أن يكون، فإذا كان بحسب ذلك الذي قدرناه وفي الوقت الذي قدرناه، فالقدر هو المقدور، وكما ذكرنا في صدر الكتاب وبالله التوفيق.
وجاء في ذكر ما نزلت في هذه الآية: أن قوماً من اليهود جاءوا يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت: {أنا كل شيء خلقناه بقدر}.
وروى في التغليط عن من قال {لا قدر} وأن أحد الذين هم أشد الناس عذاباً فكذب بالقدر أخبار.
وذكر أبو بكر الجلاد البصري عن المزني رضي الله عنه أنه قال: سألت الشافعي رضي الله عنه عن القدرية فقال: هم الذين يقولون أن الله يعلم الذي يكون.
ومعنى تسمية هؤلاء قدرية، إن الله عز وجل قال في كتابه: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}. فمن بغي أن يعلم الله قبل كونه، بغي أن يكون لله تعالى كتاب أثبت فيه ما هو كائن قبل أن يكون، وبين فيه أن يكون ومتى يكون، وأبطل أن يكون الله تعالى قدر قدر المقادير، ودبر بعلمه الأمور، وألحقه في العجز بعباده الذين لا يعلمون الشيء حتى يكون، فقيل لهم قدرية لأن بدعتهم وضلالتهم كانت من قبل ما قالوه في القدر، ثم على ذلك كفار، لأن من عجز الله تعالى وجهله لم يكن عارفاً به وبالله العصمة.
وإذ قد كتبنا في تفسير اسم القدر فاعلمنا أنه محتاج إليه، فلنرجع إلى الكشف عن عرض هذا الكتاب، والمقصود به بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القدر خيره وشره من الله وحلوه ومره من الله). فنقول- وبالله التوفيق- أن المراد بهذا إيجاب الاستسلام له قضية الله تعالى وإقرارة بالقلب واللسان معاً لهما بالقلب، فإن لا ينظر أحد ولا يتأثر مما يجري به القضاء بما يوافقه، ولا يأنف ولا يجري لما يأتي به القضاء مما لا يوافقه.
وأما اللسان، فهو أ، لا يفتخر على غيره بسبب ذلك إلى سبب يكون مرجعه إلى