فصل
فإن سأل سائل عن وزن الأعمال كيف يكون، فإنما الأعمال حركات الناس وهي أعمال لا بقاء لها، وقال: كيف تبقى الأعمال إلى يوم القيامة وكيف يمكن وزنها؟
قيل له: قد تكلم الناس في ذلك فقالوا: ما يكون المراد من الوزن مقابلة الأعمال، ويتبين ما ينبغي أن يعامل به بيانا ظاهرا للملائكة والنبيين والشهداء، أو قد تدعو الحاجة في الدنيا إلى أن يعرف مقدار عمل، كالذي يحتاج إلى أن يعطي آخر مثله، فيقابل عمله ذلك بأمثاله من غير ميزان يكون التعديل به.
وقد استعمل الناس ذكر الوزن في الشعر، وفي كل كلام مستحال، ولم يريدوا به إلا الاعتدال، واستوى بعضه ببعض عند المقابلة بين فصوله، فقيل إن وزن الأعمال يوم القيامة من هذا.
وقال آخرون: أنه تكون هناك موازين بالحقيقة، لكل ميزان كفتان، أحداهما من نور والأخرى من ظلمة، كما جاءت به الأخبار، فالكفة المنيرة للحسنات، والكفة المظلمة للسيئات.
ثم إن الناس يومئذ ثلاث طبقات: إحداهما المؤمنون المتقون، وهم الذين يوافون يوم القيامة بلا كبائر الذنوب. والثانية المؤمنون المخلطون وهم الذين يوافون القيامة بالفواحش والكبائر. والثالثة الكفار.
فأما المتقون فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة، وصغائرهم- إن كانت لهم- في الكفة الأخرى، فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا، وتثقل الكفة النيرة حتى لا تبرح، وترفع المظلمة ارتفاع الفارغة الخالية، وأما المخلطون فإن حسناتهم أيضا توضع في الكفة النيرة، وآثامهم وسيئاتهم في الكفة المظلمة.
فيكون يومئذ لكبائرهم التي جاءوا بها ولحسناتهم ثقل، إلا أن الحسنات تكون بكل حال أثقل لأن معها أصل الإيمان، وليس مع السيئات كفر، ويستحيل وجود الإيمان والكفر معا لشخص واحد، فيوزن أحد بالآخر، ولأن الحسنات لا يراد بها إلا وجه الله تعالى، والسيئات لم يقصد بها مخالفة الله تعالى، وإشفاق من غضبه فاستحال أن