والملك الذي على الشمال يكتب السيئات، فيفرد كل واحد منهما بما ينسخ، فإذا جاء وقت الوزن وضعت الصحف في الموازين فيثقل الله منها ما يحق تثقيله، وخفف ما يحق تخفيفه.
والوجه الآخر: أنه يجوز أن يحدث الله أجساما مقدرة بعدد الحسنات والسيئات، ويميز أحدهما عن الآخر بصفات يعرفونها، كما توزن الأجسام بعضها ببعض في الدنيا، والله أعلم.
فصل
إن سأل سائل: عن الأعمال إذا وزنت ما يعتبر فيها في الوزن فيظهر بها الأخف والأثقل.
قيل له: تعتبر فيها مواقعها من رضي الله عنه تعالى أو سخطه، وذلك أن المؤمن قد يأتي بحسنة لا يريد فيها إلا وجه الله تعالى ولا يحمله عليها إلا حبه لله تعالى ورغبته في تحصيل مرضاته.
وقد يأتي بها خوفا من عقابه، وقد يأتي بها فرقا في حال إتيانه بها من أن لا تقبل منه، وأن لا تكون وقعت من كل وجه على ما يرضاه الله تعالى.
وقد يأتي ساكن العلم إليها معتقدا أنه قد أدلها وخرج عن عهدتها وعلى هذا قد يواقع السيئة غافلا عن نهي الله تعالى لا يخطر بقلبه أن الذي يأتيه سيئة لا يرضاها الله تعالى وذلك لألفة إياها ومرونية عليها وإن كان لو وقف في تلك الساعة وسئل عما يأتيه لأعترف بها سيئة خائفا من تبعتها فرقا من مواجدة الله تعالى إياه بها.
إلا أن ما يغلب عليه من الهوى يحول بينه وبين الكف عنها ثم ذلك الهوى أيضا يختلف فقد يشذ حتى يجد صاحبه إتباعه لذة كثيرة، وقد يخف فلا يجد صاحبه في إتباعه إلا لذة يسيرة.
وكذلك الداعي إلى الحسنة يختلف وقد يقوى حتى يجد صاحبه من إجابته وفعل الحسنة التي دعا إليها فرحا شديدا، إنما تبشره لها، وقد لا يبلغ هذا المبلغ فيكون فرح الفاعل للحسنة بحسنه دون فرح الذي ذكرناه، وكل هذا الوجوه معتبرة في الوزن.
فلذلك يصلي رجلان بصلاة واحدة ويصومان يوما واحدا ويحجان معا، ويكون ما يظهر من أعمالهما سواء إلا أن عمل أحدهما أثقل وزنا وأكبر ثوابا، ويصل واحد ركعتين