ووجه رابع: وهو أن المعاصي دون الكفر. لا يوجد من مسلم على سبيل مضادة الإيمان، لأن المسلم لا يريد بها الخلاف والعباد، وخلع رباق الطاعة من عنقه، وإنما يتبع الهدى ويريد قضاء شهوته، فهي إذا توجد منه مضادة لما كان علي مكانها، ولا توجد مضادة لأجل الإيمان، فلم يجز ارتفاعه بها كالصغائر، وأما معاصي الكافر فإنها توجد منه مضادة الإيمان لأن الكفر هو الذي يحرك عليها، ألا ترى أنه لا يعتقد فيها أنها معاصي، وإن الله تعالى وصفها فكانت كمحسنات المؤمن التي تكون إيمانا. لأن أصل الإيمان هو الذي يحرك عليها، ألا ترى أنه يقطعها على أنها طاعات تقربه من الله تعالى.
فأما معاصي المسلم، فإن هواه يحركه عليها لا الكفر، فكانت كبائره من هذا الوجه كصغائره، ولم يجز أن يرتفع بها الإيمان وبالله التوفيق. وتدل على هذا حسنات الكافر لا تخرجه من الكفر، لأن الإيمان ليس هو يحركه عليها لأن التكريم وطلب الذكر وشبه ذلك ممالا يرجع في الحملة إلى المدين، فكذلك سيئات المؤمن لا تخرجه من الإيمان، لأن الكفر ليس هو المحرك لها عليها، لكن الهوى والشهوة، وبالله التوفيق.
وأما الجواب عن تشبيه الوعيد بالوعد، فهو أن العفو عن صاحب الكبيرة لا يوقع حفلا في الوعيد، لأن الله عز وجل إذا قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فما أخذه بوعيد مع هذا إلا ويصير ذلك الوعيد مقرونا بشرط المشبه، فيكون قوله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، فإنه قرن به الاستثناء.
فقيل: إلا أن يكون ممن سبقت له مشيئة الله تعالى بأنه يدخله الجنة، أو إلا أن يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون المعنى هذا جزاؤه، ولكنه قد لا يجزيه بل يعفو، فمن عفا عنه لم يلحق خبره من ذلك خلف والله أعلم.
وجواب آخر: هو أن خطاب الله تبارك وتعالى في القرآن عباده عما وقع بلغة العرب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان منهم ومن ظهرانيهم فلذلك خابطهم بحسب عاداتهم عن حكم العادة فيما تتفق فيه عاداتهم، وعادة غيرهم.