بما يفضل ممن قال: لا يدخل النار أصلا بل يدخل الجنة ويجعل جزاؤه بكباره حطة عن بعض الدرجات، وحرمانه بعض ما نواه، لو كان في إيمانه مجانبا للكبائر، فإن كنت لا تجيز هذا، فالذي قبله مثله فلا يجزه وبالله التوفيق.
فصل
إن قال قائل: أخبر الله تعالى عن الناس أنهم محاسبون مجزون. وأخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولم يخبر عن ثواب الجن ولا عن حسابهم، فما القول في ذلك عندكم؟.
فالجواب: أنه قد قيل: إن الله تعالى لما أن قال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}. وقال عز وجل: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} دخل في الجملة الجن والإنس، فثبت للجن من وعد الجنة بعموم الآية، ما ثبت للإنس.
فإن قال قائل: فما الحكمة في إفراد الجن عن الإنس في الوعيد، وترك أفرادهم عنهم في الوعيد؟
فقيل في جواب ذلك: أنهم قد ذكروا في الوعد لأن الله عز وجل يقول: {أولئك الذين حق عليم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين}.
ثم قال: {ولكل درجات بما عملوا}، وإنما أراد ولكل من الجن والإنس، فقد صاروا مذكورين في الوعد مع الأنس كما ذكروا في الوعيد.
فإن قيل: أليس قد ذكر يخاطب الجن في النار، ولم يذكر يخاطب الفريقين في الجنة لأن الله عز وجل قال: {وقال الشيطان لما قضي الأمر أن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}. وقال: {قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}. ولم يأت عن تعارض الفريقين في الجنة خبر.