المرادين بالاستثناء من الوجه الذي ذكرناه. قد رودت الأخبار بأن الله عز وجل يميت حملة العرش وملك الموت وميكائيل، ثم يميت آخر من يميت جبريل عليه السلام ويحييه مكانه ويحيي هؤلاء الملائكة الذين ذكرناهم.
وأما أهل الجنة فلم يأت عنهم خبر، وكما ظهر أنها دار الخلد، فإذا كان الذي يدخلها لا يموت فيها أبدا مع كونه قابلا للموت، فالذي خلق فيها أولى أن لا يموت أبدا. وأيضا أن الجنة دار لذة وسرور، لا خوف فيها ولا حزن، وإن من فيها لا يمرض ولا يموت.
وأما أهل السماء فإنهم خائفون وجلون، وأهل الأرض بالبلايا والمصائب منتحبون. فلا ينكر أن يكون هؤلاء يموتون وأولئك لا يموتون.
وأيضا فإن الموت إنما هو لقهر المكلفين ونقلهم من دار إلى دار وأهل الجنة لم يبلغنا أن عليهم تكليفا، فإن اعفوا عن الموت كما اعفوا عن التكليف لم يكن ذلك ببعيد.
فإن قيل: إن الذين يدخلون الجنة إنما لا يموتون ولا يخافون ولا يحزنون، جزاءا لهم بأعمالهم، والولدان والحور لم يربوا في الجنة، جزاءا لهم بعمل صالح قدموه فإن ماتوا فذلك، ولا يبعد من أمرهم.
قيل: لو صح هذا لجاز على قياسه أن يمرضوا بالمجاعة والجهد والخوف من الذين يحرمونه من أهل الجنة، فإن كان شيء من هذا لا يلحقهم، وإن لم تكن الجنة جزاءا لهم، فلا ينكر أن لا يكتب عليهم الموت، وإن لم تكن الجنة جزاءا لهم، وبالله التوفيق.
فإن قيل: فإن الله عز وجل يقول: {كل شيء هالك إلا وجهه}. وفي هذا دليل على أن الجنة يفنيها ثم تعاد ليوم الجزاء. فما أنكرتم أن الولدان والحور يموتون ثم يحيون!
قيل: يحتمل أن يكون معنى كل شيء هالك إلا وجهه، أي ما من شيء إلا وهو قابل للهلاك. فيهلك إن أراد الله ذلك إلا وجهه أي إلا هو، فإنه تعالى قديم والقديم لا يمكن أن يفنى، وما عداه محدث والمحدث إنما يبقى قدر ما يبقيه محدثه، فإذا حبس البقاء عنه هلك، ولم يبلغنا في خبر صحيح ولا معدل، إنه يهلك العرش ويبقيه، فلتكن الجنة مثله والله أعلم.