ومثل به فقال: (لولا أن نجد صفته في نفسها لتركتها حتى يحشره الله تعالى من بطون السباع والطير).
فإن سأل سال عن كافر أكل لحم مؤمن، أو مؤمن أكل لحم كافر، كيف يحشر هؤلاء؟
قيل له: الله أعلم بذلك، لكن الذي تبلغنا علمه فيه، هو أن الكافر إذا أكل لحم مؤمن لم يرجع لحمه من بدن الكافر إلى بدن المؤمن، إذا كان قد بقي في جوف الكافر، وصار غذاءا له. فأما إن أكله فمات أو قيل: قبل أن يصير غذاءا له، فإنه يرجع منه عند البعث إلى بدن المؤمن، وإذا لم يرجع في الحال الأولى عوض المؤمن مثله، وأكمل جسده، ونفخ فيه روحه فقام بإذن الله تعالى حيا.
وعله هذا- والله أعلم- إن تلك الأجزاء التي انقلبت بدن كافر، بعد أن كانت من بدن المؤمن، فقد وجد منه الكفر والمعاصي بها، فلو أعيد إلى بدن المؤمن فأدخل الجنة لكان قد أدخل الجنة أجزاء من كافر، وليست الجنة دار الكفار. فصح إذا أنها تصار إلى النار ويعوض المؤمن من أمثلها اختراعا يخترعه الله عز وجل.
فإن قيل: وكذلك إذا قلتم إنها لا تعاد إلى بدن المؤمن، قلتم إنها تصار إلى النار، وفي ذلك إبطال ما عمل المؤمن بها من الطاعات أيام حياته.
فالجواب: إن ذلك الثواب لا يبطل عمل المؤمن، وإنما يبطل بنعم تلك الأجزاء التي انقلبت فصارت من بدن الكافر بالثواب، وذلك لأن الثواب إنما هو لنفس المدين، ولكن أيضا من بدنه إذا سلمت له وصلت نعمة الثواب إلى نفسه من أماكن شتى، فإذا مات بعضها وصلت هذه النعمة إليه مما بقي من عرض ما فات.
وأما الأجزاء الفانية التي صارت من بدن الكافر، فإنها لا تنعم بشيء، فإن ذلك لو كان يفرح به الكافر ولم يشعر به المؤمن الذي كانت هذه الأجزاء من بدنه، وذلك غير جائز والله أعلم.
وأما المؤمن إذا أكل لحم كافر واغتذى به، فالقول فيه على ما وصفت أيضا، وهو إن أجزاء الكافر لا ترد من بدن المؤمن إلى بدن الكافر، إنها أجزاء وجدت من المؤمن