وقد أخبر الله عز وجل: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} وإن كان يتسع للحياة، والاستئناس بمثلها، والفرح بمكانها الذي فيه، ففي ذلك تقليل الثواب، لأنها لو كان معها بدن طاعم وشارب لابس يتمتع بالشهوات، ويتقلب في اللذات لكان بنعمها مما يخلص إليها من النعمة واللذة من قبل البدن أكثر. فعلمنا أن التعويض من الفائت أقرب إلى الإنابة بالحسنات لا عن تعويضه.
فإن قيل: النفس العاقلة لا تنتعم بالشهوات.
قيل: إنما لا تتنعم بها إذا كان في أتباعها إغفال للطاعات والحسنات والخيرات، والتوغل في المفاسد والسيئات، وهذا إنما يكون في الدنيا. فأما الدار الآخرة فلا تكليف فيها، وإنما هي دار فراغ، والتنعم فيها بالشهوات واللذات هو الخير المحض لن من فاته لا يرجع منه إلى ما يكون له خيرا منه. فبطل قول من قال: إن النفس العاقلة لا تتنعم بالشهوات والله أعلم.
فصل
فإذا أكمل الله تعالى جسده للأجساد على ما هو أعلم به من صفة إكمالها، إلا أنها بعد تراب. ففيه بعض الأخبار: إن الله تعالى يمطر عليهم من تحت العرش فتنموا به أجسادهم.
فقد يحتمل أن كان هذا ثابتا إنه ينبتهم بهذا الطين الذي ينزل عليهم حق يجعلهم بشرا كما روى في قصة الذين يخرجون من النار. وقد صاروا حمما أنهم يغتسلون من نهر يأتي الجنة فينبتون به كما تنبت الحبة في حميل السيل، حتى إذا لم يبق إلا أن يحيوا، أمر إسرافيل عليه السلام بنفخ الصور، فإذا وصل ما في الصور إلى هذه الأجساد وصار فيها عادوا أحياء بإذن الله تعالى، وتكون هذه الأجساد من هذا الوجه كالحسل في بطن أمه، ينقلب حالا حتى إذا صار في هيئة البشر فعند ذلك ينفخ فيه أحد الملائكة الروح بأمر الله تعالى. فأما نفخ جبريل عليه السلام في مريم، فإنه يحتمل وجهين:
أحدهما يحتمل أن يكون الله تعالى وحده، اخترع عند مخاطبة جبريل مريم بأن يكون