لئلا يمتد عن الإعادة شيء من أخبارهم، ويحشرون حفاة عراة، لأن الملابس في الدنيا أموال، ولا مال في الآخرة، زالت الأملاك بالموت وبقت الأموال في الدنيا.
ولأن كل نفس يومئذ فإنما تثيبها المكاره ثوابا وجب لها بحسن عملها، أو رحمة مبتدأة بما يمن الله تعالى عليها، فأما الملابس فلا غناء فيها يومئذ، ثم أن الأخبار وردت بأن كثيرا من الناس يكسون إذا خرجوا من قبورهم.
روى عباد بن كثير عن ابن الزبير عن جابر قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة من قبورهم، فيؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكتسي من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليهما، ثم النبيون والرسل صلوات الله عليهم، ثم يكس المؤذن، وتتلقاهم الملائكة على نجائب من ياقوت أحمر، أزمتها من زبرجد أخضر رجالها من اللهب، ويشيعهم من قبورهم تسعون ألف ملك إلى المحشرة.
وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا، فأول من يكس إبراهيم ثم أوتى بحلة لا يقوم بها البشر".
فيحتمل أن يكون تقديم إبراهيم صلوات الله عليه بالكسوة لما يروى أنه لم يكن في الأولين والآخرين لله تعالى عبد أخوف له من إبراهيم فيعجل كسوته ما ناله ليطمئن قلبه ويحتمل أن يكون ذلك لما جاء به الحديث أنه أول من يلبس السراويل إذا صلى مبالغة في السير وحفظا لفرجه من أن يماس فضلا، ففعل ما أمر به، فيخرج بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة.
ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا عنه ثيابه على أعين الناس كما يفعل بمن أراد قتله. وإن كان ما أصابه في ذلك في ذات الله تعالى، فلما صبر واحتسب وتوكل على الله، دفع عنه شر النار في الدنيا والآخرة أو جزاء بذلك العري أن جعله بأول من يدفع عنه العري يوم القيامة على رؤوس الأشهاد والله أعلم.
وإذا بدأ بالكسوة بإبراهيم وثنى بمحمد صلى الله عليه وسلم، أتى لمحمد صلى الله عليه مسلم بحلة لا يقوم بها البشر لينجز التأخر بنفاسة الكسوة، فيكون كأنه كسي مع إبراهيم عليهما السلام ولم يؤخر عنه والله أعلم.