يكن هذا الجواب، لأنه ليس كل من يفهم ما يقال له يقدر على الجواب، ولكنه يتاج مع هذا إلى أن يطلق له آلة الكلام كما أطلقت له آلة الفهم ثم إن كل أحيى آلة للفهم وآلة الكلام، لأن السؤال والجواب من دونهما مستحب، فليحيى كله، لأنه إذا جاد في الجواب عن الحق ضرب بعمود يلتهب منه، وفي هذا ما دل على أن الأحياء ينبغي أن يعم جميعه أو يخص بالعذاب قلبه ولسانه وذلك أمر غير معقول والله أعلم.
وهذه الطريقة التي شرحناها هي لمن لا يثبت إلا الروح والبدن. فأما من قال: أن الإنسان له أجزاء نفس وروح وبدن، وإنه يقول: إن نفس الحي هي الموصوفة بالعلم والجهل والغم والسرور واللذة والألم، وإذا فارقت البدن مات البدن لأنه يصير بغرض الفساد والبلى بعدما كان بغرض التيسر والنمو. فأما النفس عددها فإنها تبقى حية تعلم وتفهم وتتلذذ وتتألم مما يعمها ويسيرها، وهي في هذه الحالة أشبه بالملائكة منها إذا كانت مجاورة البدن الطاعم الشارب الناكح.
فمعنى السؤال في القبر أن يحبس هذه النفس بعد خروجها من البدن، وتورد معه القبر حتى يحضر الملكان فيسألها وهي على صورة بحيال قلبه. فقال: {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها} فإن ظهر لهما منها الفجور، علما بأن البدن إنما كان يتصرف فيما يأتمره به النفس الفاجرة، فأي شيء فعلا مما يجري مجرى الإهانة، فإنه وإن وقع بالبدن.
فإن النفس التي هي تتعذب بما يخلص إليها من الكرب والخوف، ويقع لها من العلم بأنها إذا أعيدت فيه يوم الجزاء تعذبت معه بما يصل إليه من الشدائد كما تنعمت معه في الدنيا بما وصل إليه من الملاذ، وإن ظهر لهما منه البر انصرفا عنه.
ألا أنه إن كانت للميت ذنوب يريد الله تعذيبه عليها في الآخرة، فإن النفس هي تعذب وهي محبوسة في القبر، بلى البدن أم لم يبلى، ويعرض على النار أو تجر بما هي لا فيها، فتكون مكروبة مغمومة بذلك ما شاء الله تعالى جده.
وقد يمكن أن تخرج النفس من القبر إذا انقضى السؤال وتورد مورد أمثالها، فتكون في تنعم به من البشارات والاطاعات وتغم به التخوينات والتوبيخات هناك إلا أن