سجين، وكان ذلك نظير أن يوقف في المحشر على شفير جهنم، فإذا نظر في عمله فوجد من الفجار التي في النار.
فأما ما وراء ذلك من عذاب أحداً من المسلمين لا تداني ذنوبه ذنوب آل فرعون، فإذا كان الله عز وجل لم يعاملهم قبل الآخرة بأكثر من العرض على النار دون إحساسها أبدانهم، رجونا من فضله ورأفته أن لا يمس مسلماً ناراً قبل أن يورده الآخرة، وكل ما دون ذلك من إرغاب وتخويف وتعريض للحسرات والندامات، أو خلاف ذلك من أطماع وتبشير وإعلام بالمحاب والمسرات، فإن النفس لا تحتاج في الإجابة إلى البدن فيكون ما يكون لها وعليها والله أعلم.
وفي هذا الرأي جمع بين القولين الذين سبق أيضا ضمهما، فيكاد من هذا الوجه أن يكون وسطاً والله أعلم.
وإنما نذكر هذه الوجوه إزاحة لما عسى يعترض به الملحدون وينسبون إليه أخبار الديانات وحبيها بالامتناع إليه فيا لعقول، لكن له مكان الوجه الواحد أوجهاً، وإلا فالأولى بالمسلم الإيمان بما يثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم له دون أن يتوقف في ذلك إلى أن يبين له وجهه.
فإن الصحابة قبلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبرهم به وأنذرهم إياه من عذاب القبر وغيره، ولم يراجعه فيه منهم أحد، ولا سأله عن وجهه وكيفيته، فكذلك ينبغي لمن بعدهم أن يفعل فيكون التابعين لهم بإحسان وبالله التوفيق.
فصل
إن سأل سائل عن معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه).
قيل له: هذا حديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنه عبد الله يزعم ولما بلغ عائشة رضي الله عنها قولهما، قالت انكم لتحدثون من غير كاذبين، ولكن السمع قد يخطئ، إن الله أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى.