وقد جرت عادة المسلمين بأن يدعوا الله تعالى بإصلاح واليهم لأنهم رأوا اسم الصلاح منتظما عمة ما فيه النفع له ولهم. فأمر المرأة أقل من ذلك.
وأما الفصل الحادي عشر: وهو أن لا يدعو ضجرا مستعجلا، فإن ذلك فعل من له حق عند آخر يقتضيه.
وليس لأحد من الله حق حاصل عنده، متأخر عنه، فيستعجل به ويضجر من تأخره، فلا عتب ولا اعتراض عليه ولأن الدعاء عبادة واستكانة والضجر والاستعجال به إقصاء بهما فدل ذلك على أنهما من الحوائل بينهما وبين الإجابة كما يرجى أن يكون خلافهما من مقربات الإجابة والله أعلم فهذه الأركان.
وأما الآداب فالفصل الأول منها: تقديم التوبة أمام الدعاء، لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، أخبر قومك أنه لا يغرب علي شيء، فلا يدعوني أحد منهم وهو مقيم على ذنبه، فإنه لا يزداد مني إلا بعدا، ولا أزداد عليه إلا غضبا، ولكن ليتب ثم ليدعي).
وليس معنى هذا الحديث عندي. أن المذنب لا تجاب دعوته بحال، فإنه لو كان هكذا لأشبه أن لا يجاب إذا قال: اللهم بغض إلى معاصيك ووفقني لما تحب وترضى، أو قال: اللهم تب علي ومعلوم أن له أن يقول هذا، ويأمل الإجابة.
فوجه الحديث إذا- والله ألعم- أن لا يدعني أحد بأسمائي الحسنى ولا يتقرب إلي بالثناء على إتمام حاجة يستقضيها وهو مقيم على ذنبه، فإني وإن قضيت حاجته، فلا أعد دعاءه عادة، لأنه إنما أدخلته فيه حاجته لا تعظيمه إياي، وحبه إلي، إذ لو كان كذلك لم يعصني ولم يرتكب ما يهينه عنه، ولا يزداد مني إلا بعدا، لأني أرد عليه ثناءه ولا أقبله منه، ولا أزداد عليه غضبا لأني ابتليته بالحاجة التي لا يحملها دعائي فلم ير في حق جلالي وعظمتي أن يتقدس بالتوبة أمام دعائي، لكنه لزم خطيئته، ولم يفارق فيها عاداته.
ولئن كان هذا الوعيد مع الإجابة فكأنه يقول: لا ازداد عليه إلا غضبا لأنه عرف الحاجة، فلم يتذلل بالتوبة، ثم رأى الإجابة فلم يشكر بالتوبة، فتغلظت ذنوبه السالفة بذلك، واستحق لها زيادة الغضب من الله تعالى.