الكريم صلوات الله عليه، فكان من حقه أن يقرأ ويدرس تشرفًا وتبركًا، بمشاركة الرسول من الكريمين في تلاوته وشكر النعمة لله جل ثناؤه علينا فيما خلق لنا من اللسان، وعلمنا من البيان بقراءة كلامه. فكيف وتبين المعاني المصطرة لنا إلى القراءة ما سنبين ذكرها والله أعلم.
فإن قيل: احسبوا أن الذي يعرف اللسان بقراءة الأغراض التي وضعت، فالذي لا يحسن اللسان، أي فضل يبتغي بقراءته؟
قيل: أما القراءة بحفظ القرآن عن أن ينص ويدرس، وصيانته عن أن يريد فيه مخالف حرفًا أو ينقص، فالذي يعرف اللسان، والذي لا يعرفه، فيها سواء.
وأما الأغراض الأخر، فإن الذي لا يعرف اللسان لا يخلو من أن يكون مخاطبًا بما في القرآن، فهو يقرأه إعظامًا بقدر ما خوطب به، وإجلالاً للمخاطب به، وفرجًا بما ترك من عند ربه، وشكر الله تعالى على إطلاق لسانه، وإيمانًا وتصديقًا بما يجري على لسانه، وقد تكون قراءة القرآن لمن يحسن اللسان، ولمن لا يحسن من وجه آخر. وهو أن الناس مجبولون على النسيان والغفلة والسهو، والقرآن خطاب لهم دائم ما دام الناس. فاقتضى ذلك أن تكدره قراءة القرآن، ويعبد كل واحد منهم كل وقت على نفسه، فيقوم ذلك مقام تخليد خطابه من الله تعالى حملا للنفس على سماعه، وعلى امتثاله، والوقوف عند حدوده، والعمل بجميعه كما أمر به والله أعلم.
وأما إحضار القارئ قلبه ما يقرأه، والتفكر فيه، فلأنه خطاب الله تعالى الذي يخاطب به عباده. فمن قرأه ولم يتفكر فيه، وهو من أهل أن يدركه بالتفكير، كان كمن لم يقرأه لأنه لم يصل إلى غرض القراءة من قراءته.
وأيضًا فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفة الحقوق، فإذا ترك التفكير فيما يقرأ، استوت الآيات كلها عنده، فلم يرع لواحد منها حقه. فثبت أن التفكر من شرائط القراءة ليتوصل إلى إدراكه ومعانيه.
وأيضًا فإن ترديد الآية والتخشع بالبكاء عندها سنة القارئ، فإذا لم يعرف ما يقرأ لغفلته عنه لجهله به، لم يميز موضع الترديد، ولا جادت عينه بدمع. فصح أن سنته إذا