وجاء عن علي رضي الله عنه: من تمام الحجج أن يحرم الرجل من دويرة أهله. وهذا إذا كان مخرجه في أشهر الحج. فأما إذا كان قبلها وأراد التعجيل فإنه يحرم من أول أشهر الحج وهو شوال، وذلك أفضل له من أن يؤخر الإحرام إلى الميقات.
وإذا احرم ولبى فلا يغفلن عما هو فيه، وليعلم أن عند الله تعالى دعاءه على لسان رسولين كريمين: أولهما الخليل إبراهيم، والآخر المصطفى خاتم النبيين صلوات الله عليهما. وبترك كل ما حرم الله عليه ويستشعر من الخشوع أتمه، ومن الترهيب أقصاه وابلغه حتى يوافي البيت وقد اعد نفسه وهيأها للعبادة وخلصها ونزها من الافوات التي لا تليق بمن يدعي هذه الدعوة ويؤهل لورود تلك الحفرة. ولا يزال يلبي متمسكًا متبعًا الإجابة كما ذكر في كتب الأحكام ذاتها مقيمًا على الإحرام حتى إذا بلغ الحرم، فخشي أن يمشي فيه إلى البيت حافيًا. قال الله تعالى: {إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى}.
وقال مجاهد: كانت الأنبياء عليهم السلام إذا أتوا علم الحرم نزعوا نعالهم. قال ابن الزبير: لقد كان هذا البيت يحجه سبعمائة ألف من بني إسرائيل يضعون نعالهم بالتنعيم ويدخلون حفاة تعظيمًا للبيت. وليقل إذا دخل الحرم: اللهم هذا حرمك وأمنك، فحرم لحمي ودمي على النار، الله صل على محمد عبدك ورسولك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم امني من غضبك وعقابك، وعدوان تؤذي فيه أحدًا، ويظلم فيه حقًا، ويخطر بقلبه أنه حرم الله الذي أوجب لأجله، ولمن دخله الأمان. ويمضي فإذا وصل إلى البيت استشعر من الهيبة له ما يحق استشعاره، وليعلم أنه لا مكان في الأرض أفضل ولا أعظم حرمة منه. فإنه أن أثاب فيه فقد فاز، وأن رد عنه فقد هلك، إلا أن يتداركه الله برحمته فليجتهد في الإخلاص والصدق واصفًا الضمير وتعديل السر لئلا يكون قلبه مكذبًا لسانه وباطنه، مخالفًا ظاهره، ويخطر بقلبه أنه بحيال العرش وعند بيت مشهور محفوف بالملائكة لا يؤتي إلا لعباده، ولا يقصد الإذعان والطاعة.