ويمكن التعليق على هذه الحادثة بما يلي:-
١ - أظهر القادر بالله الشروط العمرية عقب هذه الحادثة، فألزم أهل الذمة بلبس الغيار.. فالنصارى - في تلك الحادثة - مخالفون للشروط العمرية التي اشترطها عمر الفاروق - رضي الله عنه - على أهل الذمة من النصارى وغيرهم.. فإن مما شرطوه على أنفسهم:- "لا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر صليباً.. (١) "، وهذه الشروط مجمع عليها في الجملة بين العلماء. (٢)
وقد أحسن القادر في إحياء وتجديد هذه الشروط التي جددها الخلفاء السابقون أمثال عمر بن عبد العزيز، وهارون الرشيد، والمتوكل ونحوهم. (٣)
وأثنى شيخ الإسلام على هذا الصنيع فقال:-
"وكان في أيام المتوكل قد عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم، وكذلك في أيام المعتضد والمهدي والقادر، وغيرهم من الخلفاء الذين كانوا أحمد سيرة، وأحسن طريقة من غيرهم، وكان الإسلام في زمنهم أعز، وكانت السنة بحسب ذلك. (٤) "
٢- نلحظ - في هذه الواقعة - التفات عامة المسلمين إلى الخليفة القادر، وميلهم إليه، حيث قصدوا دار الخلافة.
كما يتجلى اهتمام القادر بالرعية، وحسن سياسته وتدبيره تجاه هذه الفتنة، فقد أنكر الخليفة ما جرى، وطالب بإحضار ابن أبي إسرائيل وتسليمه، من أجل إخماد الفتنة، فلما أُحضر إلى دار الخلافة، كفّ العامة وسكنت الفتنة، ثم أفرج عن ابن أبي إسرائيل.
٣- لا يخلو زمن خلافة القادر من أحداث تحكي شغب النصارى، وبغيهم على المسلمين، وظلم بعض عامة المسلمين للنصارى. (٥)
لكن بإلزام النصارى الشروط العمرية سنة ٤٠٣هـ اختفى الشغب واستقرت الأحوال، وكما اعترف بذلك جان مورييس فييه أحد النصارى المعاصرين. (٦)
٤- لعل إظهار القادر الشروط العمرية من أسباب تمكينه وتحقيق هيبته، ورحم الله
(١) . اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ٢/٣٢٠، ٣٢١، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ٢/٦٥٩ -٦٦٢.
(٢) . انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٣٢١، وأحكام الذمة ٢/٦٦٣.
(٣) . مجموع الفتاوى لابن تيمية ٢٨/٦٥٤، ٦٥٥.
(٤) . نقص المنطق صـ ٢٠.
(٥) . انظر: الكامل ٩/١٣٦، والبداية ١١/٣٣٠.
(٦) . انظر: أحوال النصارى في خلاصة بني العباس لجان فييه صـ ٢٦٥.