على العبيديين بالكفر أو الإلحاد قد قرره جمع من أصناف العلماء سواءً كانوا من المحدثين أو الفقهاء أو القضاة.
لقد بيّن هذا المحضر - على إيجازه - حقيقة العبيديين نسباً وديناً، وفضح نفاقهم، وهتك أستارهم، حتى اضطر الحاكم العبيدي في سنة ٤٠٣هـ - وهي السنة التي تلي كتابة المحضر- إلى إظهار منع الناس من سبّ الصحابة - رضي الله عنهم - وعقوبة من فعل ذلك. (١)
وكما أدى هذا المحضر إلى امتناع الحاكم عن سبّ الصحابة في السنة التي تلي كتابة المحضر، فإنه أعقب - بعد أكثر من أربعين سنة - إلى التذكير به، وإعادة تقريره - في خلافة القائم بأمر الله.
ففي سنة ٤٤٤هـ كُتِب محضر يتضمن القدح في أنساب العبيديين، وأنهم خارجون عن الإسلام، وأقر هذا المحضر جمع من الأشراف والعلماء والقضاة. (٢)
لقد كانت جهود الخليفة القادر ضد الباطنية ظاهرة جريئة، مما شجع العلماء على تأليف الكتب في الردّ على الباطنية، حيث صنّف القاضي أبو بكر الباقلاني في تلك الوقت كتابه في الردّ على الباطنية، أتباع الحاكم العبيدي، وسماه "كشف الأسرار وهتك الأستار" بيّن فيه قبائحهم، ووضح أمرهم لكل أحد، وكان يقول فيهم: هم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض. (٣)
كما صنّف علي بن سعيد الاصطخري - أحد شيوخ المعتزلة - للقادر بالله كتاب "الرد على الباطنية" فأجرى عليه جراية سنية، فلما توفي الاصطخري نقل جرايته إلى ابنته. (٤)
الاعتقاد القادري
المبحث الأول: التحقيق في مؤلف الاعتقاد ومناسبة تأليفه
اشتهر أن الاعتقاد القادري ألّفه الخليفة القادر بالله، كما حكاه أكثر المؤرخين، لكن بعض العلماء المحققين يقرر أن هذا الاعتقاد - في الأصل من تأليف أبي أحمد الكرجي (٥) ، وكتابة القادر بالله، كما سيأتي توضيحه..
(١) . انظر: اتعاظ الحنفا ٢/٩٨، والنجوم الزاهرة ٤/٢٣٦، والتاريخ السياسي والفكري لبدوي صـ ٧٤، ٧٥.
(٢) . انظر: المنتظم ١٥/ ٣٣٦.
(٣) . انظر: الصفدية لابن تيمية ٢/١٦٢، والبداية ١١/٣٤٦.
(٤) . انظر: المنتظم ١٥/١٠٠، والبداية ١١/٣٥٢، والنجوم الزاهرة ٤/٢٣٦.
(٥) . أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرجي، الغازي المجاهد، وعرف بالقصّاب لكثرة ما قتل من الكفار في مغازيه، له عدة مصنفات، عاش إلى حدود ٣٦٠هـ، وفيه يقول أبو الحسن الكرجي:
وفي الكرج الغراء أو حد عصره أبو أحمد القصّاب غير مغالب
تصانيفه تبدي غزير علومه فلست ترى علماً له غير سارب.
انظر: سير أعلام النبلاء ١٦/٢١٣، وتذكرة الحفاظ ٣/٩٣٨، والوافي بالوفيات ٤/١١٤.