وكذا ساق ابن القيم تلك المقالة الأخيرة بحروفها.
وحكى هذا القول الحافظُ الذهبي، فقال:-
"قال العلامة أبو أحمد الكرجي في عقيدته التي ألّفها، فكتبها الخليفة القادر بالله، وجمع الناس عليها.. (١) "
ولعل الأدق ما ذكره هؤلاء الأئمة - كابن تيمية والذهبي وابن القيّم، وأن هذا الاعتقاد- في الأصل - ألّفه أبو أحمد الكرجي، وكتبه الخليفة القادر بالله، وجمع الناس عليه.
ففي هذا القول زيادة علم وتفصيل ليس في القول الأول، وربما أن الذين عزوه إلى القادر، كان باعتبار النسبة والاشتهار فاشتهر بأنه الاعتقاد القادري، ولذا فإن في قولهم شيئاً من التجوّز والإجمال، كما أن أولئك المحققين - كابن تيمية والذهبي - قد يجملون في مواطن، فينسبون الاعتقاد إلى القادر باعتبار تلك الشهرة، وكما جاء في غير موضع من كتبهم. (٢)
وأما عن مناسبة تأليف الاعتقاد القادري، فقد سبق الإشارة إلى نفوذ العبيديين الزنادقة، وانتشار دعاتهم، وكذا استفحال أهل البدع كالمعتزلة والرافضة ونحوهم.
فصنف هذا الاعتقاد سنة ٤٢٠هـ، وأقرّه الأشراف والفقهاء والقضاة وغيرهم، وذلك من أجل إظهار الإسلام والسنة، فإن نشر هذا الاعتقاد، والتأكيد عليه، والاحتفاء به من أهل العلم والدين يعدّ أعظم الأسباب في فضح مذهب العبيديين الباطنيين، فالاعتقاد القادري ينقض مذهب أولئك الباطنية الملاحدة، كما أن في هذا الاعتقاد تقريرات سنيّة يحصل بها الردّ على سائر أهل البدع من رافضة ومعتزلة ونحوهم- كما سيأتي الإشارة إليه - وقد ألمح ابن تيمية إلى مناسبة تأليف الاعتقاد القادري، فقال:- "وقال الشيخ أبو أحمد الكرجي الإمام المشهور في أثناء المائة الرابعة، في العقيدة التي كتبها الخليفة القادر بالله، وقرأها على الناس، وجمع الناس عليها، وأقرتها طوائف أهل السنة، وكان قد استتاب من خرج عن السنة من المعتزلة والرافضة ونحوهم، وكان حينئذ قد تحرك ولاة الأمور لإظهار السنة، لما كان الحاكم المصري وأمثاله من أئمة الملاحدة قد انتشر أمرهم.. (٣) "
(١) . العلو للعلي العظيم ٢/١٣٠٣.
(٢) . انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ٣/١٧٥، وتاريخ الإسلام ٢٨/٢٦٨، والعبر ٣/١٣٤.
(٣) . الدرء ٦/٢٥٢= باختصار يسير، وانظر: الصواعق المرسلة ٤/١٢٨٦.