ولعل حجتهم في ذلك حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "أوصاني خليلي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - بسبع: لا تشرك بالله شيئاً، وإن قُطِّعت أو حُرِّقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً، فمن تركها فقد برئت منه الذمة." الحديث. (١)
يقول ابن القيم: "ولو كان باقياً على إسلامه، لكانت له ذمة الإسلام. (٢) "
وقوله في الاعتقاد - بشأن تارك الصلاة-: "ولا يزال كافراً حتى يندم ويعيدها، فإن مات قبل أن يندم أو يعيد، أو يضمر أن يعيد، لم يصلّ عليه، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف."
وفي هذا إشارة إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الصلاة يوماً فقال:" من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم تكن له نوراً ولا برهاناً، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان، وأبيّ بن خلف. (٣) "
قال ابن القيم:- "وإنما خصّ هؤلاء الأربعة بالذكر، لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة.. إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رئاسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رئاسة وزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبيّ بن خلف. (٤) "
ثم خُتِم هذا الاعتقاد بالحث على لزوم السنة والجماعة، وما في ذلك من الوعد والترغيب.
المبحث الثالث: مزايا الاعتقاد القادري
بالنظر في محتوى الاعتقاد القادري، وملابسات تصنيفه، فيمكن إيراد المزايا التالية:
(ظهر الاعتقاد القادري إبان قوة المعارض ونفوذه، فالعبيديون استفحل شأنهم وانتشر دعاتهم - كما سبق آنفاً- وكذا سائر أهل البدع من معتزلة ورافضة وأشبهاهم، فصنف هذا الاعتقاد في مواجهة المدّ العبيدي في أوج تسلطه، وفي صدّ تلك البدع الظاهرة
(١) . أخرجه ابن ماجه في الأشربه، ح (٤٠٣٤) ، واللالكائي ٢/٨٢٣، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة ٢/٨٨٥-٨٩١، وقال البوصيري: " إسناده حسن، وشهر بن حوشب مختلف فيه." وصححه الألباني لشواهده في صحيح الترغيب والترهيب ١/٢٢٧-٢٢٩.
(٢) . كتاب الصلاة صـ ٤٧.
(٣) . أخرجه أحمد ٢/١٦٩، وابن حبان ح (١٤٤٨) ، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (١/٢٩٢) إلى الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: " رجال أحمد ثقات".
(٤) . كتاب الصلاة صـ ٤٦، ٤٧.