أفيقال بعد هذا: إن عقيدة السلف الصالح إما هي للحنابلة فقط؟
(أورد الاعتقاد القادري جملة من مسائل الاعتقاد التي تميّز أهل السنة عن مخالفيهم، فقد قرر الاعتقاد مسائل مهمة في أصول الدين، والتي ضلّ فيها أهل الأهواء والبدع، فبيّن توحيد الربوبية ردّاً على العبيديين، وأثبت الصفات لله تعالى خلافاً للمعتزلة والأشاعرة، وقرر مسائل مهمة في الإيمان رداً على الوعيدية والمرجئة، وأوجب حبّ الصحابة رضي الله عنهم خلافاً للروافض.
وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكرون ما يتميّز به أهل السنة عن الكفار والمبتدعين (١) ."
(مع أن هذا الاعتقاد من العقائد المختصرة إلا أنه تضمن تقريرات مهمة في الردّ على الفرق الكبار كالخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة..
وأيضاً فالاعتقاد وإن حوى أجوبة مجملة في الردّ على تلك الطوائف، إلا أنّه فصّل- إلى حد ما- في تقرير ربوبية الله تعالى، من أجل الردّ على العبديين، كما هو بيّن في مطلع هذا الاعتقاد..
فالاعتقاد القادري يقرر أن الله عزّ وجلّ واحد لا شريك له، على النقيض من مقالة الباطنية بإلهين اثنين، وهما السابق والتالي كالمجوس الثنوية. (٢) "
كما يثبت الاعتقاد ما لله سبحانه من الأسماء الحسنى والصفات العلا، خلافاً للباطنية الذين ينفون أسماء الله تعال وصفاته. (٣)
ولا غرابة أن يجيئ هذا البسط في تلك العقيدة الموجزة، فإن أحوال وملابسات التأليف تقتضي هذا التفصيل، فالمذهب العبيدي الباطني استفحل شره، وانبث دعاته في كثير من الأصقاع، فكان المقام يقتضي التفصيل في تقرير ربوبية لله تعالى مناقضة لمذهب الباطنية.
وهذه نهج سلكه سلفنا الصالح تجاه الانحرافات التي تظهر في عصرهم، فإنهم يلتفتون إلى مواجهتها، ويشتغلون بمدافعتها أكثر من غيرها.
(١) . شرح الأصفهانية صـ ١٤.
(٢) . انظر: فضائح الباطنية للغزالي صـ ٣٨، وبيان مذهب الباطنية للديلمي صـ ٣٤، وأصول الإسماعيلية لسليمان السلومي ٢/٥٣٤ - ٥٧٤.
(٣) . انظر: فضائح الباطنية للغزالي صـ ٣٨، وبيان مذهب الباطنية للديلمي صـ ٣٤، وأصول الإسماعيلية لسليمان السلومي ٢/٥٣٤ - ٥٧٤.