كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق. (١) "
ثم أعقبها بقوله: " قلت: ليته حذف "استواء استقرار" وما بعده، فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه، والباري منزه عن الراحة والتعب. (٢) "
إلى أن قال (٣) : "لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز."
قلت: "وكان أيضاً يسعه السكوت عن " صفة حقيقة" فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري، وقلنا: تمرّ كما جاءت، فقد آمنا بأنها صفات، فإذا قلنا بعد ذلك، صفة حقيقة وليست بمجاز، كان هذا كلاماً ركيكاً نبطياً مغلثاً للنفوس فليُهدر، مع أن هذه العبارة وردت عن جماعة، ومقصودهم بها أن هذه الصفات تُمرّ ولا يتعرض لها بتحريف ولا تأويل كما يتعرض لمجاز الكلام، والله أعلم.
وقد أغنى الله تعالى عن العبارات المبتدعة، فإن النصوص في الصفات واضحة، ولو كانت الصفات تُردّ إلى المجاز لبَطل أن تكون صفات لله، وإنما الصفة تابعة للموصوف فهو موصوف حقيقة لا مجازاً، وصفاته ليست مجازاً، فإن كان لا مثل له ولا نظير لزم أن يكون لا مثل لها. (٤) "
ويمكن أن يُستدرك على تعقيب الإمام الذهبي، فيقال: إن قوله "ليته حذف استواء استقرار" محل نظر، فإن عدداً كثيراً من أهل العلم قالوا: إن معنى استوى العرش: استقر (٥) .
وقال الحافظ ابن عبد البر (٦) : "الاستواء الاستقرار في العلو، بهذا خاطبنا الله عزّ وجلّ. (٧) "
ولا محذور في تفسير الاستواء بالاستقرار، فإن ذلك لا يوهم نقصاً ولا تمثيلاً، بل هذا المعنى على الوجه اللائق بالله تعالى.
لاسيما وأن تلك العبارة - التي تمنى الذهبي حذفها- قد نقلها أئمة كبار كابن تيمية
(١) . العلو للعلي العظيم ٢/١٣٠٣.
(٢) . العلو للعلي العظيم ٢/١٣٠٣.
(٣) . أي أبو أحمد الكرجي الذي ألّف الاعتقاد، وكتبه الخليفة القادر.
(٤) . العلو ٢/١٣٠٣، ١٣٠٤.
(٥) . انظر: تفسير البغوي ٢/١٦٥، وشرح حديث النزول صـ ٣٩٠، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان ١/٣٥٦.
(٦) . هو أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي المالكي، حافظ المغرب، ومؤرخ أديب، ولد سنة ٣٦٨هـ بقرطبة، رحل كثيراً، وتولى القضاء، له مؤلفات كثيرة، توفي بشاطبة سنة ٤٦٣هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء ١٨/١٥٣، والديباج المذهب ٢/٣٦٧.
(٧) . التمهيد ٧/١٣١.