ويتوب إليها منها، فأطلقه (١) ."
وقال الصابوني (٢) - بعد إيراده القصة -:- هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقابله بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد -رحمه الله- مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف، على طريق الإنكار له والابتعاد عنه، ولم يتلقه بالقبول.. (٣) "
كما عرف الرشيد بكراهيته للمراء والكلام والجدال (٤) ، وكان يقول عن المراء في الدين: "إنه لخليق أن لا ينتج خيراً، وبالحرى ألا يكون فيه ثواب. (٥) "
إضافة إلى ذلك فقد أثنى عليه الأئمة، -كابن تيمية والذهبي ونحوهما- بكثرة الحج والغزو والجهاد في سبيل الله تعالى (٦) .
ومن قيامة بدين الله تعالى أنه أمر بهدم ما استحدث من الكنائس في مصر والعراق امتثالاً للأدلة الشرعية (٧) .
لاسيما وأن أبا يوسف - رحمه الله - قد أوصاه بهدم ما أحدث من بيعة أو كنيسة، كما جاء في كتاب الخراج، والذي ألّفه أبو يوسف استجابة لطلب الرشيد (٨) .
المتوكل:
اشتهر المتوكل (٩) بإظهار السنة وإخماد البدعة، وإقامة شرع الله تعالى في أهل الذمة، كما أنه قتل من ارتد عن دين الله عز وجل.
يقول الحافظ ابن كثير:
"لما ولي المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فإنه كان محباً للسنة وأهلها، ورفع المحنة عن الناس، وكتب إلى الآفاق لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن.. (١٠) "
وقال أيضا: "كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكف عن
(١) . البداية لابن كثير ١٠/٢١٥ = باختصار يسير.
(٢) . إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الصابوني الشافعي، محدث، فقيه، مفسر، واعظ، نصر السنة في خراسان، ولقِّب شيخ الإسلام، توفي سنة ٤٤٩هـ.
انظر: طبقات الشافعية ٤/٢٧١، وسير أعلام النبلاء ١٨/٤٠.
(٣) . عقيدة السلف وأصحاب الحديث صـ ٣٢١.
(٤) . انظر: تاريخ الطبري ٨/٣٤٧، وتاريخ بغداد ١٤/٧، وسير أعلام النبلاء، ٩/٢٨٧، وتاريخ الإسلام ١٣/٤٢٦.
(٥) . تاريخ الطبري ٨/٣٤٧، وتاريخ بغداد ١٤/٧.
(٦) . انظر: نقض المنطق صـ ١٩، وسير أعلام النبلاء ٩/٢٨٧.
(٧) . انظر: جامع المسائل لابن تيمية ٣/٣٧٠، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ٢/٦٧٥.
(٨) . انظر: كتاب الخراج لأبي يوسف صـ ٢٩٤، ٢٩٥.
(٩) . هو أبو الفضل جعفر بن المعتصم بالله بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، ولد سنة ٢٠٥هـ، ولي الخلافة بعد أخيه الواثق، فأظهر السنة وقمع البدعة، قتل سنة ٢٤٧هـ.
انظر: تاريخ بغداد ٧/١٦٥، وسير أعلام النبلاء ١٢/٣٠.
(١٠) . البداية ١٠/٣٣٧، وانظر: ١٠/٣٥١، وسير أعلام البنلاء ١٢/٣١.