معاني الآيات، وما رؤى من الصحابة المعتبرين: كيف سلكوا مناهجها؟ وأي معنى فهموا من مدارجها؟ ولو جهل تفسير سائر الآيات التي تتعلق بالمواعظ والقصص قيل: لم يضره ذلك في الاجتهاد؛ فإن من الصحابة من كان لا يدري تلك المواعظ، ولم يتعلم بعد جميع القرآن؛ وكان من أهل الاجتهاد.
٣- ثم معرفة الأخبار: بمتونها، وأسانيدها؛ والإحاطة بأحوال النقلة، والرواة: عدولها، وثقاتها، ومطعونها، ومردودها؛ والإحاطة بالوقائع الخاصة فيها، وما هو عام ورد في حادثة خاصة، وما هو خاص عمم في الكل حكمه. ثم الفرق بين: الواجب، والندب، والإباحة، والحظر، والكراهة؛ حتى لا يشذ عنه وجه من هذه الوجوه، ولا يختلط عليه باب بباب.
٤- ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة، والتابعين، وتابع التابعين من السلف الصالحين؛ حتى لا يقع اجتهاده في مخالفة الإجماع.
٥- ثم التهدي١ إلى مواضع الأقيسة، وكيفية النظر والتردد فيها: من طلب أصل أولاً، ثم طلب معنى مخيل يستنبط منه؛ فيعلق الحكم عليه، أو شبه يغلب على الظن، فيلحق الحكم به.
فهذه: خمس شرائط، لابد من مراعاتها؛ حتى يكون المجتهد مجتهداً واجب الاتباع والتقليد في حق العامي، وإلا؛ فكل حكم لم يستند إلى قياس واجتهاد مثل ما ذكرنا؛ فهو مرسل مهمل.
قالوا: فإذا حصل المجتهد هذه المعارف: ساغ له الاجتهاد، ويكون الحكم الذي أدى إليه اجتهاده سائغاً في الشرع، ووجب على العامي تقليده، والأخذ بفتواه. وقد استفاض٢ الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: "يا معاذ! بم تح كم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن
١ التهدي: الاسترشاد.
٢ استفاض الخبر: شاع وانتشر.