مما نشرب، يماثلنا في المادة والصورة، قالوا: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} ١.
والحنفاء:
كانت تقول: إنا نحتاج في المعرفة والطاعة إلى متوسط من جنس البشر تكون درجته في الطهارة، والعصمة، والتأييد، والحكمة فوق الروحانيات يماثلنا من حيث البشرية، ويمايزنا من حيث الروحانية، فيتلقى الوحي بطرف الروحانية، ويلقى إلى نوع الإنسان بطرف البشرية، وذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ٢، وقال عز ذكره: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} ٣.
ثم لما لم يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة، والتقرب إليها بأعيانها، والتلقي عنها بذواتها، فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السيارات السبع، وبعض الثوابت. فصابئة النبط والفرس والروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند: مفزعها الثوابت.
وسنذكر مذاهبهم على التفصيل، على قدر الإمكان، بتوفيق الله تعالى. وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع، ولا تبصر، ولا تغني عنهم شيئا.
والفرقة الأولى هم عبدة الكواكب، والثانية هم عبدة الأصنام.
ولما كان الخليل عليه السلام مكلفا بكسر المذهبين على الفرقتين، وتقرير الحنيفية السمحة السهلة، احتج على عبدة الأصنام قولا، وفعلا, كسرا من حيث القول، وكسرا من حيث الفعل فقال لأبيه آزر: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} ٤ الآيات حتى {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} ٥ وذلك إلزام من
١ المؤمنون آية ٣٤.
٢ الكهف آية: ١١.
٣ الإسراء آية ٩٣.
٤ مريم آية ٤٢.
٥ التلاوة: فجعلهم ... وهي آية ٥٨ من سورة الأنبياء.