عقولهم، فصار أحدهم ينظر إلى من ليس على ملته، كما ينظر إلى بعض
الحيوانات التي لا عقل لها، وينظر إلى المآكل التي تأكلها الأمم، كما ينظر الرجل العاقل إلى العذرة، أو إلى صديد الموتى، وغير ذلك من الأشياء القذرة، التى لا يسوغ لأحدٍ أكلها!
فهذا هو الأصل في بقاء هذه الطائفة على أديانها، لشدةِ مباينتها لغيرها من
الأمم، ولأنهم ينظرون إلى الناس بعين النقص والإزراء إلى أبعد غاية.
.. أما الطائفة الأولى، وهم القراءون، فأكثرهم خرج إلى دين الإسلام أولاً
فأولاً، إلى أن لم يبق منهم إلا نفرٌ يسير، لأنهم أقربُ إلى الاستعداد لقبول
الإسلام لسلامتهم من محالات فقهاء الربانيين، أصحاب الافتراء الزائد،
الذين شددوا على جماعتهم الإصر.
فقد تبين، مما ذكرنا، أن الحاخاميم هم الذين شددوا على هذه الطائفة دينهم، وضيقوا عليهم المعيشة والإصر، قصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب
الأمم، حتى لا يختلطوا بهم، فيؤدي اختلاطهم بهم إلى خروجهم من دينهم.
والسبب الثاني في تضييق الإصر عليهم أن اليهود مُبددون في شرق البلاد
وغربها، فما من جماعة منهم في بلدةٍ إلا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من
بلاد بعيدة، يظهر لهم الخشونة في دينهِ، والمبالغة في التورع والاحتياط.
فإن كان من المتفقهة فهو يسرع في إنكار أشياء عليهم، ويوهمهم التنزه عمَّا هم فيه، وينسبهم إلى قلة الدين، وينسب ما ينكره عليهم إلى مشايخه وأهل بلده، ويكون في أكثر ذلك الإسناد كاذبًا، ويكونُ قصدهُ بذلك إما الرئاسة عليهم، وإما