فإن قال: إن التواتر قد حقق ذلك، وشهادات الأمم بصحته دليل ثابت
فى العقل، كما قد ثبت عقلاً وجود بلاد وأنهار لم نشاهدها، وإنما تحققنا وجودها بتواتر الأنباء والأخبار.
قلنا: إن هذا التواتر موجود لمحمد وعيسى، عليهما السلام، كما هو
موجود لموسى عليه السلام. فيلزمك التصديق بهما.
وإن قال اليهودي: إن شهادة أبي عندي بنبوة موسى، هى سبب تصديقي
بنبوته.
قلنا له: ولمَ كان أبوك عندك صادقًا في ذلك معصومًا عن الكذب، وأنت ترى الكفار أيضا يعلمهم آباؤهم ما هو كفر عندك، إما تعصبًا من أحدهم لدينه وكراهيته لمباينة طائفته، ومفارقة قومه وعشيرته، وإما لأن أباه وأشياخه نقلوه إليه، فتلقفته منهم، معتقدًا فيه الهداية والنجاة!
فإذا كنت، يا هذا، ترى جميع المذاهب التي تكفرها قد أخذها أربابها
عن آبائهم، كأخذك مذهبك عن أبيك، وكنت عالمًا أن ما هم عليه
ضلال وجهلٌ. فيلزمك أن تبحث عما أخذته عن أبيك، خوفًا من أن تكون هذه حالته!
فإن قال: إن الذي أخذته عن أبى أصحُّ مما أخذه الناس عن آبائهم: لزمه أن يقيم البرهان على نبوة موسى، من غير تقليد لأبيه، لأنه قد ادعى صحة ذلك بغير تقليد.