فَنَقُول إِن عنيتم بِهِ أَن العَبْد قَادر على الْفِعْل وعَلى التّرْك وَأَن نِسْبَة قدرته إِلَى الطَّرفَيْنِ على السوية ثمَّ إِنَّه فِي حَال حُصُول هَذَا الاسْتوَاء دخل هَذَا الْفِعْل فِي الْوُجُود من غير أَن خص ذَلِك الْقَادِر ذَلِك الطّرف بمرجح وبمخصص الْبَتَّةَ
فَلَا نسلم أَن هَذَا القَوْل صَحِيح بل كَانَ بديهة الْعقل تشهد بِبُطْلَانِهِ وَإِن عنيتم بِهِ أَن عِنْد حُصُول الداعية المرجحة صدر عَنهُ هَذَا الْأَثر فَهَذَا هُوَ قَوْلنَا ومذهبنا وَنحن لَا ننكره الْبَتَّةَ إِلَّا أَنا نقُول لما كَانَ عِنْد حُصُول الْقُدْرَة والداعية يجب الْفِعْل وَعند انتقائهما أَو انْتِفَاء أَحدهمَا يمْتَنع وَجب أَن يكون الْكل بِقَضَاء الله تَعَالَى وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيل إِلَى دَفعه
فَهَذَا مُنْتَهى الْبَحْث الْعقلِيّ الضَّرُورِيّ فِي هَذَا الْبَاب
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي إِثْبَات الْقُدْرَة للْعَبد
اعْلَم أَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ تَفْرِقَة بَين بدن الْإِنْسَان السَّلِيم عَن الْأَمْرَاض الْمَوْصُوف بِالصِّحَّةِ وَبَين الْمَرِيض الْعَاجِز وَالْمُخْتَار عندنَا أَن تِلْكَ التَّفْرِقَة عَائِدَة إِلَى سَلامَة البنية واعتدال المزاج
وَأما أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَإِنَّهُ أثبت صفة سَمَّاهَا بِالْقُدْرَةِ مُغَايرَة لاعتدال المزاج وَاحْتج على إِثْبَات هَذِه الصّفة بِأَن قَالَ نَحن نَدْرِي تَفْرِقَة بَين الْإِنْسَان السَّلِيم الْأَعْضَاء وَبَين الزَّمن المقعد فِي أَنه يَصح الْفِعْل من الأول دون الثَّانِي وَتلك التَّفْرِقَة لَيست إِلَّا فِي حُصُول صفة للقادر دون الْعَاجِز وَتلك الصّفة هِيَ الْقُدْرَة
فَيُقَال لَهُ أتدعي حُصُول هَذِه التَّفْرِقَة قبل حُصُول الْفِعْل أَو حَال حُصُول الْفِعْل وَالْأول بَاطِل لِأَن قبل حُصُول الْفِعْل لَا وجود للقدرة على الْفِعْل عنْدك فَإِن مذهبك أَن الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل لَا قبل الْفِعْل وعَلى هَذَا الْمَذْهَب فالتفرقة الْحَاصِلَة قبل الْفِعْل تمْتَنع أَن تكون لأجل الْقُدْرَة
وَالثَّانِي